الاثنين، 20 يونيو 2011

لجنة المتابعة العُليا - من أجل لجنة منتخبة أم لجنة منتخبين؟





الخميس 15/10/2009

تنشر "الاتحاد" ثلاث دراسات للمحامي أيمن عودة، سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" حول قضايا خلافية بين الأحزاب والحركات الفاعلة لدى الجماهير العربية، وهذه الدراسات الثلاث هي:

-         لجنة المتابعة العليا-  من أجل لجنة منتخبة أم لجنة منتخبين؟
-         بين "حل الدولتين" و "حل الدولة الواحدة".
-         المشاركة و"عدم المشاركة" في انتخابات الكنيست.

وهذه الدراسات الثلاث هي جزء من قضايا فكرية خلافية إضافية يحددها سكرتير الجبهة، مثل: "الشراكة العربية اليهودية"، "البعد الطبقي والعدل الاجتماعي"، "الحريات الشخصية والديمقراطية"، "الحركات السياسية في مواجهة العائلية والطائفية". وهي قضايا قيد الإعداد وستجد طريقها للنشر قريبا.

يجتهد الكاتب لأن تتجاوز الدراساتُ الاجتهاداتِ اللحظية، من أجل مادة مؤسسة حول موقف الجبهة من هذه القضايا التي تميّزها عن الأحزاب والحركات الفاعلة بين الجماهير العربية.

نأمل أن تكون هذه المواضيع محور نقاش جدي ومساهمات إضافية في "الاتحاد"، من أجل تعزيز الطرح الجبهوي، في المواجهة الفكرية مع أحزاب وحركات أخرى.


"الاتحاد"


(1- 4)
مقدّمة:

فكرة "الانتخاب المباشر للجنة المتابعة" أي انتخاب "لجنة المتابعة" مباشرة من المواطنين العرب، كما تطرحها الحركة الإسلامية الشمالية والتجمع الوطني الدمقراطي، أو "البرلمان العربي" كما تطرحها حركة أبناء البلد، هي فكرة جديرة بالنقاش للأسباب التالية:
1. أهمية تنظيم المواطنين العرب كطرح، أو وحدة الجماهير العربية الكفاحية كطرح متميّز عن الأوّل.
2. انعكاس هذه الأفكار على العلاقة مع المؤسّسة الحاكمة من جهة ومع الأكثرية اليهودية المتأثّرة بأغلبيتها بتحريض السلطة من جهة أخرى.
3. أهمية لجنة المتابعة ومستقبل اللجنة.
4. مركزية الأحزاب والحركات التي تطرحها، جِديّة الطرح وأولويّته داخل هذه الأحزاب والحركات.
5. تجارب الأقليات في العالم بهذا الصدد، والتطوّرات البحثية والقانونية العالمية الخاصّة بحقوق الأقليات القومية والأصلانية.
في هذه الدراسة سأقدّم موقفًا ناقدًا ومغايرًا، وكذلك اقتراحًا لتطوير "لجنة المتابعة"، وقبل ذلك سأعرض سردًا تاريخيًا حول نشوء وتطوّر "لجنة المتابعة"،اعتبرُه هامًا كتوطئة لتطوّر الآراء المتباينة، ولأن جزءًا من الذين سبقوني في ذلك قد جافوا الحقيقة إزاء ذلك النشوء والتطوّر.
_____________
منذ نكبة فِلسطين وتدمير البُنى التحتية للمؤسسات السياسية الجامعة، مثل اللجنة التنفيذية العربية، المجلس الإسلامي الأعلى، اللجنة العربية العليا، الهيئة العربية العليا، تفرّقَ الفِلسطيني إلى لاجئ أو باقٍ تحت الوصاية الأردنية أو المصرية، وبقي 164 ألفًا داخل وطنهم، هم المواطنون العرب داخل إسرائيل.
لم تنجح في الإفلات من النكبة من المؤسسات العربية سوى "مؤتمر العمّال العرب" الذي كان يضمّ نحو خمسين ألف منتسب قبل النكبة وبقي منه نحو ألف وخمسمئة منتسب بعدها ، واصلوا تنظيمهم في السنوات الأولى لقيام الدولة، ولكن عندما قرّرت "الهستدروت" فتح أبواب نقاباتها المهنية للعمّال العرب، عَقد "مؤتمر العمّال العرب" مؤتمره السادس يومي 24 و 25 تمّوز 1953، وقرّر أن ينهي أعماله ويركّز نضال أعضائه في النقابات المهنية، ويواصل عمّاله النضال من أجل العضوية الكاملة في "الهستدروت  (الاتحاد 21.07.1953).
لم يكن من السهل إقامة أُطُر وحدوية عربية بُعيْد النكبة، لعدّة أسباب منها صعوبة استيعاب فاجعة النكبة والتأقلم مع الوضع الجديد، وتدخّل المخابرات الإسرائيلية في أدقّ تفاصيل الحياة، وأبرز ذلك الحكم العسكري الذي كان يحاكم النشيطين السياسيين في محاكم عسكرية، ويمنع المواطنين العرب من الانتقال من منطقة إلى أُخرى، إلا بموجب نظام تصاريح كان شحيحًا مع الناشطين السياسيين على وجه الخصوص.
يُمكن تسجيل بعض المحاولات المتعثّرة في النصف الثاني من الخمسينيات مثل عقد مؤتمرات المثقفين والشعراء والمحامين العرب، وكذلك إقامة لجنة الطلاب العرب في الجامعة العبرية (1959)، ولكن المحاولة الأكثر جِديّة لتجميع الأُطر والشخصيات الوطنية، كانت بناء "الجبهة العربية" (التي تحوّل إسمها إلى الجبهة الشعبية نتيجة لرفض الحكومة تسجيلها تحت اسم "الجبهة العربية") في سنة 1958، التي سُرعان ما انشقّت إلى شيوعيين وقوميين تأثرًا بتطوّرات إقليمية، أكثر منها محلية.
لكن التطوّر الأبرز في بناء أطرٍ وحدوية للمواطنين العرب كان في سنوات السبعينيات، ويعود ذلك إلى الأسباب التالية:
- نضال المواطنين العرب، بقيادة الحزب الشيوعي أساسًا، بُعيْد النكبة وضدّ "نفسية النكبة" والخوف واليأس من التأثير ومجاراة السلطة الحاكمة وأحزابها، والتحوّل إلى "نفسيّة مواجهة". هذا الدور، برأيي، هو الأهمّ في المرحلة الأصعب التي مرّ بها المواطنون العرب، حتى أصبحوا أكثر نضجًا لبناء أُطر وحدوية جامعة.
- في السبعينيات لم يعد المواطنون العرب مجرّد 164 ألفًا، يعيشون في قرى منقطعة عن بعضها يلعقون جراح النكبة ومصدومين من جرّائها، وإنما قوّة آخذة بالتبلور قوامها نصف مليون شخص.
- تميّزت هذه المرحلة بنشوء جيل شاب، لم يعش النكبة، وقادرٍ على الخروج من إحباطاتها النفسية، هذا الجيل طرق أبواب الجامعات أكثر من غيره، وقد أثّر في مختلف التطوّرات السياسية، ونشهد أنّ العديد من الأطر الوحدوية قد بُنيت في الجامعات أو بتأثير من طلابها.
- انتهاء الحكم العسكري 1966 ممّا أتاح للمواطنين العرب تأكيد حقوقهم أكثر وأعمق، بعد أن كان يعرقل كل عمل سياسي بشتّى الوسائل القانونية وغير القانونية.
- لا شكّ أن هزيمة حزيران 1967 التي جاءت لتؤكّد للعرب الفلسطينيين داخل إسرائيل عبثية انتظار الفرج من العالم العربي وأن النضال الأساسي هو هنا في الوطن (نظريّة التسييس "פוליטיזציה") كما أسفرت نتائج الحرب عن التلاقي الثقافي والتجاري مع باقي الفلسطينيين في الضفّة والقطاع ممّا عزّز الانتماء الفلسطيني. وللمفارقة، أيضًا، تحسّن الوضع الاقتصادي للعرب الفلسطينيين بسبب موجة البناء الضخمة والاستثمارات الأجنبية التي اطمأنت إلى مصالحها في دولة إسرائيل بعد "الانتصار الكبير"، ومن هنا تسارعت وتيرة البرتلة (التحوّل إلى بروليتاريا، عمّال) التي ميّزت اتجاه المواطنين العرب بعد تهجيرهم ومصادرة أراضيهم، من الزراعة إلى العمل المأجور؛ واتجهت شرائح جديدة نحو المهن الحرّة وغيرها باتجاه بدايات بلورة طبقة وسطى، هذه الطبقة ازدادت توقعاتها ومطالبها مع تحسّن وضعها (نظريّة التوقّعات المتزايدة، لدى ماخلس) ومن جهة أخرى انعكست هذه الحرب على المؤسسة الإسرائيلية، فازدادت ثقتها بنفسها وأفسحت حيزًا اكبر في الهامش الدمقراطي للعرب.
- التطوّرات في سنوات السبعينيات تمّت على ضوء سطوع نجم "منظّمة التحرير الفلسطينية" منذ معركة الكرامة تحديدًا (1968) وتأكيد الهوية الفلسطينية عالميًا في مرحلة الظهور في الامم المتّحدة ونيْل صفة مراقب (1974) وعربيًا من خلال الاعتراف بالمنظّمة "ممثلا شرعيًا ووحيدًا للشعب الفلسطيني" ممّّا عزّز الانتماء الوطني الفلسطيني مقابل التعالي الإسرائيلي من جهة والعجز القومي العربي من جهة أخرى.
- تأثرّت كل الأقليات في العالم بالعَهديْن الدوليين: الأوّل حول الحقوق المدنية والسياسية والثاني بخصوص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الصادرين عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، كاتفاقيتين دوليتين مؤسّستين لقواعد قانونية جديدة أو مثبتة لها، وقد صدر العهدان الدوليان عام 1966 ودخلا حيّز التنفيذ عام 1976 وقد أثارا جدلا هامًا في أوساط حقوق الإنسان والأقليات في العالم.
والأطر الوحدوية التي أُقيمت في تلك المرحلة هي:
- لجنة المبادرة الدرزية (1972).
- اللجنة القطرية للطلاب الثانويين (1974)
- اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية (1974).
- لجنة الدفاع عن الأراضي (1975).
- الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب (1975)، وقد سبق هذه الهيئة لجنة الطلاب العرب في القدس منذ سنة 1959 وإن بشكل متقطّع. وفي تل أبيب (1968)، وفي جامعة حيفا والتخنيون (1973)، وبئر السبع وبار إيلان (1975).
- جبهة الناصرة الدمقراطية (1974) والجبهات المحلية التي أقيمت في سنوات مختلفة، ولكن معظمها في سنة 1977.
- لجنة المبادرة الإسلامية (1976).
- الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة التي تأسّست في 5.3.1977.

* بناء لجنة المتابعة

ثمّة روايتان حول بناء "لجنة المتابعة"، الأولى تشدّد على أنه تمّ التنادي إلى إقامة هذه الهيئة على خلفية حظر مؤتمر الجماهير العربية 1980. والثانية هي أنه على أثر أزمة السلطات المحلية العربية دعا رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية آنذاك، إبراهيم نمر حسين، أعضاءَ الكنيست العرب من أجل العمل المشترك على حلّ هذه الأزمة، فعُقد اجتماع يوم 30 تشرين الاوّل 82 بين الرؤساء وأعضاء الكنيست، أسفر عن إقامة لجنة لمتابعة الموضوع، وفي ديناميكية مفهومة سرعان ما بدأت هذه اللجنة بالتعرّض لقضايا الجماهير العربية المختلفة، وبدأت تستقطب الإعلام والرأي العام الإسرائيلي، كذلك فرضت الأحداث السياسية نفسها بقوّة، لا سيّما حرب لبنان عام 82.

الرواية الثانية هي الصحيحة، خاصّة بعد بحث جِدّي في صحيفة "الاتحاد" في تلك المرحلة، وبعد التقائي بعض مؤسسي "لجنة المتابعة"، ومنهم نمر مرقس سكرتير "لجنة المتابعة" في تلك الأيّام ولمدّة أربع عشرة سنة، الذي أكّد على صحّة الرواية الثانية، كما أنّ "لجنة المتابعة" تأسست في أواخر الـ82 بعد أكثر من سنتين على حظر مؤتمر الجماهير العربية.
لا شكّ أن بناء "لجنة المتابعة" كان نتاجًا طبيعيًا للمدّ الوطني الذي ميّز المرحلة عاّمة و"يوم الأرض" كحدث مفصلي وكذلك "مؤتمر الجماهير العربية"، وإحداث قفزة في انتخاب رؤساء وطنيين من الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة (1978) بدلا من بعض الرؤساء المتعاونين أو المستقلين الذين يميلون إلى الابتعاد عن السياسة ممّا قلب الموازين داخل "لجنة الرؤساء" ، فكان لها الأثر البالغ في الديناميكية التي أدّت إلى بناء اللجنة، ولتبيان المواقف المختلفة لرؤساء السلطات المحلية قبل وبعد انتخاب الرؤساء الجبهويين تكفي الإشارة إلى أن الأغلبية الساحقة من الرؤساء (39 رئيسًا) رفضت إقرار الثلاثين من آذار 1976 (يوم الأرض) يوم إضراب! ولكن بعد ذلك بدأت اللجنة باتخاذ مواقف وطنية عامة وليس محلية وبلدية فقط، فمثلا عند محاولة قتل الرؤساء الوطنيين في الضفة الغربية سنة 1980 عقد الرؤساء اجتماعًا طارئًا لهم في قرية الرامة يوم 3.6.1980، وأعلنوا عن إضراب السلطات المحلية واعتصموا في مدينة الناصرة، وأصدروا بيانًا يؤكّد انتماءهم للشعب الفلسطيني وموقفهم الصريح ضدّ الاحتلال وممارساته، هذا الاجتماع الهام عُرف باسم اجتماع الرامة.    
 عندما نقول إنّها بُنيت بشكلٍ تدريجي نقصد أننّا لن نجد إعلانًا أو دعوة أو إشعارًا في صحيفة ما يدعو إلى تأسيس "لجنة المتابعة"، فابتداءً من الاهتمام باحتياجات السلطات المحلية ومن ثمّ قضايا الأرض التي تتقاطع مع قضايا السلطات المحلية وتتجاوزها، أخذت اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية بدعوة أعضاء الكنيست وممثلي "لجنة الدفاع عن الأراضي" لحضور اجتماعاتها بشكل شبه ثابت؛ ومن ثمّ جرى توسيع اللجنة بحيث ضمّت- بالإضافة إلى الرؤساء وأعضاء الكنيست- سكرتيري الأحزاب وأعضاء اللجنة التنفيذية العرب في الهستدروت وممثلين عن لجنة الدفاع عن الأراضي وممثلا عن الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين وممثلا عن اللجنة القطرية للطلاب الثانويين، وكذلك ممثلي لجان متابعة قضايا التعليم والصحة والأوضاع الاجتماعية التي أقيمت بقرار من "لجنة المتابعة" ذاتها (1984).
ويمكن ايجاز ذلك بالقول إن المدّ الجبهوي، بما في ذلك السيطرة على نحو عشرين سلطة محلية، وتداخل المدني والقومي، المحلي والقطري، في اللجنة القطرية للرؤساء، وإلغاء مؤتمر الجماهير العربية، هذه الأجواء كانت هي الحاضنة لولادة "لجنة المتابعة لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل".
وبعد أن دعت "لجنة المتابعة" إلى العديد من الإضرابات ابتداءً من إضراب "يوم المساواة" في 24 حزيران 1987، فإن "لجنة المتابعة" هي التي تدعو إلى الإضرابات (هناك إدّعاء أن "لجنة الدفاع عن الأراضي" كانت هي التي تدعو إلى إضرابات يوم الأرض، والأصحّ أنها كانت توصي بذلك إلى "لجنة المتابعة" التي كانت تقبل دائمًا بتوصياتها، حتى تفكّك لجنة الدفاع عن الأراضي سنة 93) وهي التي تدعو إلى الغالبية الساحقة من المظاهرات والاحتجاجات الوحدوية التي تشمل كل الأحزاب والحركات السياسية، ورسا إسمها عند "لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب في إسرائيل".
بعد التطوّر الهام الذي حدث في بداية الثمانينيات وأفرز بناء "لجنة المتابعة"، ومن ثمّ لجان متابعة قضايا التعليم والصحة والأوضاع الاجتماعية، فبناء "اتحاد الكتاب العرب في إسرائيل" في آب 1987، دخلت الحركة السياسية في مرحلة هدوء في النشاطات والأداء السياسي، وذلك تأثرًا بأحداث عالمية وإقليمية أكثر منها محلية لا سيّما انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية (1989 – 1991) وحرب الخليج الأولى 1991 حيث وصل الوضع بدول عربية كبرى مثل مصر وسوريا للتحالف مع أمريكا ضدّ العراق- هذان الحدثان كان لهما الأثر البالغ في إحباط النفوس والكبح المؤقّت للمدّ الوطني واليساري لدى المواطنين العرب في إسرائيل.
(يتبع)


(2- 4)
* قفزة في مكانة لجنة المتابعة



في سنة 1996 عُقد مؤتمرٌ عام للمواطنين العرب تحت رعاية لجنتي "المتابعة" و"الرؤساء"، وقد تناول قضايا هامّة منها الهُوية القومية، الأرض والتنظيم، الأوقاف، السلطات المحلية العربية، المواطنين العرب في المدن المختلطة، التعليم العربي، الخدمات الصحية، الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية، وقضايا المرأة العربية. وفي هذا الاجتماع تقرّر العمل على إعادة بناء المؤسسات والهيئات التمثيلية (مواد المؤتمر العام للجماهير العربية في إسرائيل (14.12.1996 – 13).
 لكنّ الحدث الأبرز الذي أثّر على مكانة "لجنة المتابعة" هو "يوم القدس والأقصى" سنة 2000، فعلى مدار ثلاثة أيّام متواصلة كانت القرارات الصادرة من اللجنة محط اهتمام الجميع: المواطنين العرب، المؤسسة الحاكمة والإعلام. كما أن متابعة تداعيات هذا الحدث من فعاليات المواطنين العرب تحت سقف "لجنة المتابعة" وبقرارات منها وردّ فعل المؤسسة رسّخت "لجنة المتابعة" كهيئة تمثيلية، ليس بأعْيُن المواطنين العرب وحسب، وإنما بنظر المؤسسة ووسائل الإعلام الذين أصبحوا يتعاملون فعليًا مع اللجنة، وإن لم تعترف المؤسسة بها بشكلٍ رسمي.
منذ سنة 2000 تميّز عمل "لجنة المتابعة" بعدّة جوانب ساهمت في التعامل الجدّي معها، وفي رفع التوقّع من أدائها، وهي:
- أحداث "يوم القدس والأقصى" التي حدثت في فترة رئاسة محمد زيدان للجنة (1999 – 2001 وتمّ انتخابه مجددًا هذه السنة 2009) وتداعيات هذه الأحداث التي ما فتئت حدثًا مؤسسًا في العلاقات بين المواطنين العرب والمؤسسة، وقد فرضت هذه التداعيات من إقامة لجنة تحقيق رسمية (لجنة أور) وسيْر عملها طيلة ثلاث سنوات و"لجنة لبيد" وماحش" ونضال المواطنين العرب من أجل الكشف عن الحقيقة وآخرها العريضة من أجل إقامة "لجنة تحقيق حيادية بمشاركة مختصين دوليين"، وقد وقّع عليها ربع مليون مواطن عربي (2008) كل هذه الفعاليات تمّت تحت سقف "لجنة المتابعة" وبقرارات صادرة عنها، وقد فرضت نقاشًا هامًا حول المواطنين العرب، مكانتهم ومؤسساتهم التمثيلية.
- عَمل رئيس لجنة المتابعة شوقي خطيب (رئيس اللجنة منذ سنة 2001 – 2008) على تكثيف الحوار ومَنْهجته من أجل "إعادة تنظيم لجنة المتابعة"، وقدّ قدّم سكرتيرو الأحزاب المختلفة اقتراحًا نهائيًا في نهاية سنة 2002 بعد سنتيْن من المداولات، وتضمّن دستورًا واضحًا ومتقدمًا للّجنة، نظامها ومهامها.
- إحداث أبعاد مأسسةٍ لـ"لجنة المتابعة"، مثل إيجاد مبنى ثابت للجنة الرؤساء وتستعمله "لجنة المتابعة" بشكل دائم، وحصْر أعضاء اللجنة بعد أن كان عددُهم فضفاضًا طيلة المرحلة السابقة، واعتمد خطيب بشكل منهجي على مؤسسات أهلية مثل مركز "مساواة" في قضايا الميزانية و"عدالة" في القانون و"المركز العربي للتخطيط البديل" في قضايا التخطيط والأرض، إضافة إلى اقتراح الدستور الذي قدّمه سكرتيرو الأحزاب.
- قاد رئيس لجنة المتابعة مجموعة أكاديميين وناشطين الذين أعدّوا "التصوّر المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل" ممّا أضفى بُعدًا نظريًا رؤيويًا لتطلعات المواطنين العرب، وقد أثار اهتمامًا بالغًا لدى المؤسسة الحاكمة والإعلام العبري1 والعربي.

* ألانتخاب المباشر للجنة المتابعة

على أثر المذكور أعلاه، يحتدم النقاش، بين الفينة والأخرى، حول لجنة المتابعة، مبناها ودورها. هذا النقاش لم يتجاوز قيادات الأحزاب بشكلٍ عام، أي لم يتحوّل يومًا إلى نقاشٍ جماهيري، وهو يشتدّ في فترة الأزمات أو إبّان انتخاب أو استقالة رئيس "لجنة المتابعة" أو في مراحل انتخابات الكنيست ثمّ يهدأ إلى حين، وسياقه السياسي أن نخبًا جديدة بدأت في البحث عن تعبير ومكانة لها، خاصّة بعد سياسة الإقصاء المنهجية ونزع الشرعية عن المواطنين العرب التي ميّزت مرحلة ما بعد أكتوبر 2000.

إتخذت فكرة "الانتخاب المباشر"- أي انتخاب أعضاء "لجنة المتابعة" مباشرة من المواطنين العرب- بُعدًا منهجيًا من خلال الاجتماعات الدورية لسكرتيري الأحزاب والحركات السياسية، أفضت في النهاية إلى إصدار ما سُمّي بـ"الاقتراح النهائي لبناء المبنى التنظيمي للجنة المتابعة" في نهاية سنة 2002، وبقيت قضيّة انتخاب "لجنة المتابعة" مباشرة من المواطنين أمرًا عالقًا غير متّفق عليه (وكذلك قضيّة التمثيل النسائي وقضيّة تمثيل النوّاب العرب من الأحزاب الصهيونية، وقضايا تفصيلية أخرى) وقد اهتمّ رؤساء السلطات المحلية العربية بتوجيه رسالة واضحة بتاريخ 10.2.2004 لأعضاء "اللجنة المصغّرة لإعادة بناء وتنظيم لجنة المتابعة العليا" أبلغوهم فيها أن "اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية" ترفض إجراء انتخابات مباشرة لـ"لجنة المتابعة".

* مؤيّدو فكرة "الانتخاب المباشر"

طُرحت فكرة الانتخاب المباشر في أكثر من محفل، وقد تناولها أكاديميون ومثقفون من زوايا وجوانب متعدّدة، فقد طرحها "التجمّع" في أدبياته المختلفة ومؤتمراته، ثم طرحتها حركة "أبناء البلد" بعد مقاطعة الانتخابات بين باراك وشارون (2001) وواظبت على طرح فكرة الانتخاب من أجل "برلمان عربي منتخب"، ثم طرحتها "الحركة الإسلامية" (الشمالية) منسجمة مع الطروحات السابقة ومعزّزة لها.2    
يرى مؤيّدو فكرة "الانتخاب المباشر" لـ"لجنة المتابعة" بأن "الانتخاب المباشر" هو وسيلة هامّة جدًا لتنظيم المواطنين العرب بشكلٍ يتجاوز العائلية والطائفية، ويُضفي شرعية قويّة للجنة، وهناك من يرى فيها خطوة باتجاه الحكم الذاتي الثقافي، وآخرون باتجاه الحكم الذاتي3.
ويضيف مؤيّدو فكرة "الانتخاب المباشر" أنّ أعضاء الكنيست اُنتخبوا كممثلين للكنيست، ورؤساء السلطات المحلية انتخبوا كممثلين للسلطات المحلية، لهذا فهم غير شرعيين لعضوية هيئة قومية وقطرية، أو لقيادة شعب.
ويشير مؤيدو الانتخاب المباشر أن جزءًا من رؤساء السلطات المحلية وجزءًا من أعضاء الكنيست العرب هم أعضاء في أحزاب صهيونية، كما أن السلطات المحلية هي جزء من وزارة الداخلية وخاضعة لضبطها وكبحها، وأن أعضاء "لجنة المتابعة" يأتون إليها بوصفهم ممثَّلين ضمن مؤسسات إسرائيلية كالكنيست والحكم المحلي.
ويؤكّدون أن "لجنة المتابعة" لا تملك جهاز موظفين، ولا تمويلا، ولا سلطة قسر لتفرض على المواطنين ما تفرضه أيّة سلطة بحكم القانون وبحكم احتكارها لأدوات تنفيذه. (مواد المؤتمر الخامس للـ"تجمع الوطني الدمقراطي"). ويدعمون موقفهم بسرد بعض التجارب العالمية لأقليات قومية أو إثنية مثل كندا أو بلجيكا وغيرهما. ويُجمِلون أن من حق المواطنين العرب أن يكونوا منظّمين، وأن يبنوا علاقتهم مع الأكثرية على أساس ندّي وسليم- كما يرون.

* البعد العاطفي للفكرة

لا يجوز التقليل من البُعد العاطفي لمثل هذه الأفكار، خاصّة لدى الجيل الشاب، وهم أبناء لأقلية قومية وأصلية، والأهم هنا هو الانتماء الأصلاني، فهم من "أهل هذا الوطن" ومع ذلك حُرموا من قيام دولتهم القومية كسائر الشعوب العربية، واليوم ترفض المؤسسة طرحهم من أجل دولة مدنية يتماثلون فيها مع رموز السيادة خاصّتهم ومن ضمنها "البرلمان". وقد انتبه المفكّر الماركسي أنطونيو غرامشي لمثل هذه المشاعر وحذّر من عدم الالتفات إليها في كتابه الرائع "كراسات السجن".
ولكنّ المشاعر وحدها لا تكفي، لذا فجيّد الإصغاء مجددًا إلى غرامشي القائل " لا بدّ من لفت الانتباه بقوّة إلى الواقع كما هو، إذا كان المرء يرغب في تغييره"، وذلك "بتحليل ملموس للظروف الملموسة".

* موقف الجبهة: من أجل لجنة منتخبين

بنظرة واقعية فإن وجود "لجنة متابعة" تضمّ كل الأحزاب والحركات وكل رؤساء السلطات المحلية ورؤساء الاتحادات القائمة هي إنجازٌ هام لم يتحقّق للغالبية الساحقة من الأقليات القومية في العالم إبّان نضالها من أجل حقوقها، ومن غير الصحيح، علميًا، التقليل من هذا الإنجاز، فلغة الحوار هي السائدة بين الأحزاب وإن اعترتها توترات، هذا خلاف لنقاشات أقليات أفضت إلى مذابح في صفوفها، ليس أقلّها في صفوف تجارب ناجحة مثل السود في أمريكا أو في جنوب إفريقيا.4
"لجنة المتابعة" بمبناها الحالي هي الجامعة لكل الأحزاب والحركات من شيوعيين ويساريين إلى قوميين وإسلاميين، وهي الجامعة لقضايا الإجماع الوطني والتصدّي الموحّد للتحديات، وهي إطار طوعي مبني على الإجماع والإقناع، وفق الانتماءات والمصالح المشتركة، لذا يصعب كسرها، ويمنع اختلاق أكثرية وأقلية، ممّا قد يبعد مجموعات عن اللجنة أو عدم التقيّد بقراراتها وربّما يتسبّب في ترك اللجنة وإقامة لجنة جديدة ومضارِبة للأولى، ولجنة المتابعة تجمع توازنات هامّة بين الوطني (الأحزاب وأعضاء الكنيست) والمحلي (رؤساء السلطات المحلية) بدون تقسيمات ميكانيكية، حيث ان من الواجب الوطني الاهتمام بالقضايا اليومية والمحلية والعكس صحيح، بل إن هذه التوليفة تُساهم في جعل ممثلي الأحزاب أقرب للقضايا اليومية، كما لا تعفي رؤساء السلطات المحلية من الدور القطري والوطني، وهذا أمر لا يجوز التقليل من أهميّته.
المبنى الحالي لـ"لجنة المتابعة" يجمع أكبر عدد من توجّهات المواطنين العرب على أكبر قاسم مشترك، أما الاهتمامات الحزبية الخاصّة فتقوم بها الأحزاب بطُرُقِها دون الحاجة لإلزام الآخرين بما هم غير مقتنعين به.
إن وجود ممثلي الأحزاب وممثلي السلطات المحلية العربية يضمن تنفيذا حقيقيا لقرارات "لجنة المتابعة"، حيث ان للأحزاب ثقلا أخلاقيًا ولرؤساء السلطات المحلية صلاحية قيادة اكبر مؤسسات المجتمع العربي مثل السلطة المحلية والمدارس والمراكز الجماهيرية والمكتبات وغيرها.
لا يمكن القوّْل إن تمثيلية "لجنة المتابعة" مكتملة، ولا القرارات تتمّ بالشكل المؤثّر المطلوب، وهذا ما سأعالجه في نهاية الدراسة.

* الأولويات السياسية

ألنقاش مع الذين يريدون "برلمانًا عربيًا" أو "مجلسا منتخبا" ولا يؤيّدون خوض انتخابات الكنيست، هو نقاش مبسّطٌ أكثر من الذين يؤيّدون خوض انتخابات الكنيست "ولجنة متابعة منتخبة" أو "برلمان منتخب" في الوقت ذاته. فالنقاشُ مع المجموعة الأولى هو في تحديد معركة المواطنين العرب، وهي، ليست في مواجهة المجتمع الإسرائيلي وإنّما عليه، وهذا يتطلّب ليس الانضواء في أطر قومية حصرًا، وإنّما التأثير في الأطر العامّة التي تجمع كل المواطنين، يهودًا وعربًا.
لقد ذكرتُ أنّ مكسبًا هامًا للشعب الفلسطيني الواقع تحت احتلال العام 67 أن يكون ممثلون عربٌ فلسطينيون في البرلمان الإسرائيلي، وأن يضعوا كل وزنهم الكمّي والنوعي إلى صالح إنهاء الاحتلال وتحقيق الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وبدلا من انتظار اقتناع 50% من اليهود الإسرائيليين بهذه القضايا، فيكفي إقناع 30% والباقي يتمّ من خلال اقتحام المواطنين العرب (20% من المواطنين)، وليس عزلهم، لا ترانسفيريًا من قبل المؤسسة ولا طوعًا بمحض إرادتهم. (إقرأ/ي مادّة موسّعة حول مشاركة المواطنين العرب في الانتخابات البرلمانية)
ليس حال المواطنين العرب كحال "كويبك" في كندا، أو الأقلية الألمانية في إيطاليا، أو الفلامينيين (ذوي الثقافة الهولندية) أو الوالونيين (ذوي الثقافة الفرنسية) في بلجيكا، كما تَضرب بعض النُخب السياسية أمثالا، فالمواطنون العرب ليسوا أقلية قومية وأصلية وحسب، وإنمّا جزءٌ من الشعب الفلسطيني الذي ما زالت الدولة التي يعيش فيها تحتلّ جزءًا كبيرًا منه، وهي (دولة مواطنته) المسؤولة عن تشريد الجزء الأكبر من شعبه، لذا لا يملك المواطنون الفلسطينيون ذلك الامتياز للانضواء في صدفة قومية مهما بلغت حميميتها، ولا حتى كـ"مرحلة وسطى" حسب التعبير اللينيني، لأن أحد الواجبات الوطنية الأساسية للمواطنين العرب وضعُ كل وزنهم السياسي لصالح القضايا العامّة، فهم لا يعيشون في دولة بمعزل عن دورهم في القضايا السياسية والإقليمية.
ويتقاطع جوابي مع ادعاء المجموعتين الأولى والثانية (الذين ينكفئون عن العمل البرلماني والذين يتفاعلون معه سواءً بسواء) وهو أن إسرائيل تحتّل أرضًا فلسطينية في حدود الـ67 مدّة 42 عامًا، وهي أطول من مدّة وجودها قبل ذاك، وهذا يحتّم على الفلسطينيين داخل إسرائيل طرح السؤال المبدئي: ما هي الأولويّات السياسية، هل هي إقامة برلمان للعرب في الناصرة أم إقامة برلمان فلسطيني في القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية  المستقلّة من الاحتلال؟
وتتكدّس الأسئلة: في أي جوانب نريد للأسئلة السياسية في إسرائيل أن تتركّز، هل المشكلة تكمن في أن المواطنين العرب لا يريدون سيادة الدولة ويريدون الانفصال أم أن الدولة اغتصبت حقوقهم وما زالت؟ هل إسرائيل هي المهدِّدة والمعتدية أم أن إسرائيل مهدَّدَة، حتى من الداخل؟ هل في مرحلة الصعود الحاد لليمين الفاشي والترانسفيري في الانتخابات الأخيرة (2009) والذي ارتكز في صعوده على الطعن في شرعية المواطنين العرب، هو التوقيت الوطني المناسب لطرح هذه المطالب بهذه القوّة؟! 
من واجب القيادة السياسية أن لا تحرف الأسئلة الحقيقية عن مسارها وأن تحدّد على ماذا تريد أن يتركّز النقاش في هذه المرحلة، فهذه الأطروحات قد تُطرح في المؤسسة الأكاديمية من الباب النظري الرؤيوي أو استشرافًا للمستقبل، ولكنّ للسياسي دورًا آخر، هو أن يؤكّد على  الأساسي – دون الثانوي- في هذه المرحلة، والخطوات التي تبني مداميك باتجاه الأهداف الأكبر، لا أن تصوغ أطروحات تخدم أعداء مجرّد وجود المواطنين العرب في وطنهم.
(يتبع)
1 نشرت الصُحف العبرية نحو مئة مقالٍ يُعالج "التصوّر المستقبلي" لا سيّما صحيفة "هآرتس"، ونوقش "التصوّر" في مختلف المؤسسات السياسية و"الأمنية" في إسرائيل.
2 الفلسطينيون في إسرائيل، أسعد غانم ومهند مصطفى، ص 274.
3 فصل المقال 20.03.2009.
4 في أمريكا حدثت صدامات دموية بين الحركات التي تناضل من أجل حقوق السود، وقد قُتلت قيادات بارزة مثل "مالكوم إكس" أبرز زعماء منظّمة "أمّة الإسلام" التي هجرها إلى "منظّمة الاتحاد الإفريقي الأمريكي" وقد قُتل على يد أبناء جلدته، هذا هو حال السود في جنوب إفريقيا، ورغم الاختلاف في الحالتين حيث ان الأولى لم تتميّز بالنضال المسلّح كما في جنوب إفريقيا، ولكن في جنوب إفريقيا رغم كونهم أكثرية في نضال واضح المعالم إلا انه لم يخلُ من صدامات دموية بين "المؤتمر الوطني الإفريقي" و"المؤتمر الإفريقي العام" ومجموعة "الوعي الأسود" حيث قُتل في الصراعات الداخلية 3097 بين تموز 1990 وحزيران 1993 قُتل 3656 جراء الصراعات الداخلية. (أنطوني سامبسون، مانديلا السيرة الموثقة، ص 624).



(3- 4)
* بين الإرادة الذاتية والإدارة الذاتية

تطرح الأحزاب والحركات المؤيّدة لإقامة "مجلس منتخب" أو "برلمان عربي منتخب" بضعة أمثلة عالمية، متجاهلة أن هذه التجارب لم تنجح إلا بعد أن تمّ الاتفاق، أولا، بين قيادة الأقلية وبين الدولة المركزية، وبعد أن تمّ الاتفاق على  "الحكم الذاتي" أو "الحكم الذاتي الثقافي"1 ومن ضمنها إقامة "المجلس المنتخب" أو "البرلمان"، هذا ما حدث في كندا وبلجيكا وإيطاليا واسبانيا والصين التي تميّزت الأقليات فيها بأنها تقطن بأكثرية ساحقة في مناطق جغرافية محدّدة.
وأهمية الاتفاق مع الدولة هو أن تضمن "أسُس الحكم والاقتصاد"، وإلا فكيف ستُضبَط  الأمور داخل "البرلمان" أو "المجلس المنتخب" دون قانون ومؤسسات تطبّق القانون، وكيف ستُنجز مشاريع جديّة دون اقتصاد؟!
 ويمكن طرح أسئلة أخرى على نحو كيف سيكون التعامل في حالة انسحاب مجموعة من "البرلمان" أو "المجلس المنتخب" أو قرّرت عدم تنفيذ القرارات؟ أو إذا قرّرت مجموعة كبيرة إقامة "مجلس منتخب" آخر، لأن المجلس الأوّل لا يلائمها؟ وربّما أجرت انتخابات شارك فيها بضعةُ آلاف.
إحدى التجارب المتواضعة، هي انتخابات "لجنة الطلاب العرب" في جامعة حيفا في السنة الأخيرة (2008) حيث اختلف الطلاب في فرز الأصوات وجلسوا أربعة أيّام على قارعة الطريق، آناء الليل وأطراف النهار، منقسمين على ذاتهم حتى تمّ الاتفاق بالـ"العَشم"، ولكن من بعد هذه "المصالحة الشعبية"، ما زالت اللجنة معطّلة حتى كتابة هذه المقالة (تشرين الاوّل 2009).

* بين الإقناع والإجماع والحسم الدمقراطي

 في حالة المواطنين العرب حيث لا يوجد "حكم ذاتي"، فالمفاضلة بين بلورة طرح عميق ومكثّف لجزء من المواطنين، وبين هيئة تجمع ممثلي كلّ المواطنين ضمن اتفاق والتزام واسع ومشترك، فالخيار الأصحّ هو الثاني، ومن أجل الخيار الأوّل توجد أحزاب. وفي هذه الحالة فالـ"إجماع والاتفاق" أفضل من التصويت وفْق مبدأ "الأغلبية والأقلية"، ففي الحالة الثانية يسهُل خروج مجموعات من "الجسم المنتخب" ويسهل كسره، حيث ان السلطة غير محايدة بطبيعة الحال- والإجماع هو سرّ تماسك "لجنة المتابعة" كل هذه السنين.
المواطنون العرب يجب أن يتّفقوا على أمرين أساسيّين وهما خوض نضال ضد سياسة الاحتلال وضد التمييز القومي والمدني والاجتماعي والاقتصادي، وما دون ذلك فهنالك خلافات، وحتى إذا أردنا تحويل الأسئلة من سلبية (نضال ضدّ) إلى إيجابية (نضال من أجل) فسنصطدم في اختلافات بالرؤى الوطنية، ناهيك عن قضايا المرأة والحريات الشخصية وسائر القضايا الاجتماعية.
نحن نعلم أن أي قرارات بالأكثرية والأقلية لن تلزم أصحاب رأي الأقلية بإقناع جمهورها بها أو بتنفيذها، خاصّة إذا عارضتها أيديولوجيًا أو "دينيًا"، كما أن "الأكثرية" و"الأقليّة" ستبرّر لأصحاب المصالح أن ينسلخوا عن هذا الإطار وعدم الالتزام به، وهنا السلطة ستعمل بكلّ وسعها وطاقاتها الكبيرة وتأثيرها على الكثير من رؤساء السلطات المحلية والشخصيات المختلفة على ضرب هذا الإطار الوحدوي، إمّا عن طريق إقامة تنظيم بديل بإدعاءات شتّى، وإما عن طريق عدم الالتزام بقراراته.
لهذا فالإقناع والإجماع في حالتنا الخاصّة، هو سرّ وحدة وتماسك اللجنة، وهو الصمغ الذي يجمع كل المركّبات ويصعّب على المؤسسة الحاكمة كسر جسم بهذه المرونة.

* غياب المؤسسات

تُطرح هذه الفكرة من قبل أحزاب وحركات مركزية قبل مجرّد وجود خطّة مفصّلة لمؤسسات تُدار من قبل هذا البرلمان، أو مجرّد التفكير الجدّي في بناء صندوق وطني وقبل بناء المؤسسات الوطنية من حكم محلي وجامعات ومراكز أبحاث ودور نشر وغيرها، والآن يُعمل بهمّة على انتخاب برلمانِ يديرها؟ أيّ، يتمّ أولا انتخاب البرلمان وبعد ذلك يتمّ البحث عن شيء ليقوم البرلمان بإدارته!

* الشرعية

فرضت "لجنة المتابعة" التعامل معها كممثّل عن المواطنين العرب في إسرائيل، وإن كان هذا الاعتراف فعليّا غير رسميّ، أي أن مؤسسات الدولة كـ"رئاسة الدولة" والحكومة، وكذلك الإعلام الإسرائيلي، يتعاملون مع "لجنة المتابعة" بهذه الصفة التمثيلية، وإن كانت المؤسسة لا تعترف رسميًا بذلك.
هذا الاعتراف الفعلي هام جدًا لأنه يقول إن المرحلة التي كان يُنَصّب فيها ممثلون عن المواطنين العرب قد ولّت، ولأن الاعتراف الفعلي يخلق ديناميكية هامّة في الطريق إلى الاعتراف الرسمي.
وما لا يقلّ أهميّة، بل يزيد، هو أن المواطنين العرب يرون في اللجنة هيئة تمثيلية جامعة، ويتعامل كل الأحزاب والحركات، دون أي استثناء، مع "لجنة المتابعة" بهذا الشكل، حتى لو كانت لديهم رؤى مختلفة حول تنظيمها أو بنائها.
إن شرعيّة لجنة المتابعة أو "البرلمان" أو "المجلس المنتخب" تُستمدّ من المواطنين العرب أساسًا، لذا فعلى أصحاب فكرة "الانتخاب المباشر" تقديم تصوّّر واضح حول كيفيّة توجّه أكثر من 50% من المواطنين العرب إلى صناديق الاقتراع، حيث ان التصويت المباشر هو الوسيلة التي يقترحونها، وهي فعلا أوضح وسيلة لتأكيد الشرعية، أي أن عملية التصويت هنا ليست شأنًا تقنيًا وحسب وإنما سياسيٌ من الدرجة الأولى.

ألناشطون الحزبيون هم أدرى الناس بصعوبة المعارك الانتخابية وإقناع الناس بالتصويت، ويعرفون أنه بتخصيص ملايين الشواقل من الدولة، ووجود عشرات المتفرّغين الحزبيّين في كل البلاد، واهتمام إعلامي كبير في انتخابات الكنيست، التي هي واحدة من أهم الانتخابات في العالم، حيث يوجد برلمان يقرّر بشكلٍ فعلي في العديد من القضايا المصيرية، ومع هذا لم تتجاوز نسبة المصوّتين العرب الـ52% في انتخابات الكنيست الأخيرة.
لا شك أن جزءًا من "غير المصوّتين" للكنيست هم مقاطعون أيديولوجيًا، وقد يصوّتون للـ"برلمان العربي"، ولكن نسبة هؤلاء ليست الأكبر بين "غير المشاركين" في التصويت وفي بعض الأبحاث تظهر النسبة الأيديولوجية هامشيّة جدًا2، كما أن ما يربو عن الـ20% (أكثر أحيانًا وأقلّ حينًا) هم مصوّتون لأحزاب صهيونية (بينهم نسبة عالية من أهلنا العرب الدروز الذين نجحت المؤسسة إلى حدٍ بعيد بإبعاد جزءٍ عزيز منهم عن المساهمة في الهمّ الوطني) ولا تضمن تصويتهم للـ"برلمان العربي" أو "المجلس المنتخب".
إذَا، وللتأكيد أكرّر، أن مسألة التصويت هُنا ليست تقنية وإنّما سياسيّة، فالوصول إلى 50% من المواطنين العرب البالغين من أجل أن تكون الهيئة شرعية، من شعبها.
تجربة مفيدة إضافية هي الطلاب الجامعيون وهم أقرب للتصويت من سائر المجتمع لعدّة أسباب وهي:
- نسبة النشيطين الحزبيين بين الطلاب أكبر بأضعاف من نسبتهم في الحياة العامّة.
- هم خارج دائرة الإنتاج والضغط الاقتصادي واليومي، والشباب بطبيعته أكثر تفاؤلا وجاهزية للعمل والتأثير.
- الطلاب جاهزون لوجستيًا كونهم في مبنى واحد أو عدد محدود من المباني، ويعيشون يوميًا اجواء الانتخابات وبين النشيطين الحزبيين، كما أنهم متواجدون لساعات قرب صندوق الانتخاب والإجراءات الانتخابية.
ورغم ذلك فلا يصوّت للجان الطلاب العرب أكثر من ثُلث الطلاب، حسب معدّل الانتخابات الأخيرة (2008).
ويمكن الإشارة إلى أن المرّة الأولى قد تكون أنجح المرّات (وهذا لا يعني تصويت 50% من المواطنين العرب) ولكنّ بعد أن يتبيّن أن هذا "البرلمان" أو "المجلس المنتخب" لا يملك صلاحيات ولا اقتصادا، فإنّ هذا سيخلق إحباطًا يسيء أكثر إلى الفكرة وإلى العمل النضالي.
ما أعرضه عن صعوبة إقناع مئات الآلاف للتصويت، والتصويت في يوم عمل عادي (ليس عطلة رسمية كما في انتخابات الكنيست) ليس أمرًا بسيطًا، ولوْ كان كذلك، لما انتظرت الأحزاب المؤيّدة للفكرة ما يُقارب العقديْن دون تنفيذها بإدعاءات شتّى. وهنا لا يجوز أن نقول: لنجرّب وبعد ذلك نرى النتائج! حيث لا يجوز المقامرة بإنجازات شعب دون وثوق جدّي بالنتائج والمآلات، فالتوجّه نحو مغامرة غير مضمونة النجاح أبدًا يجعل من الهيئة الجديدة غير شرعية من شعبها، والهيئة القديمة- التي اكتسبت شرعية من شعبها وشرعية فعلية من مؤسسات الدولة- غير شرعية هي الأخرى، لأنّ الذاهبين للانتخاب المباشر طعنوا في شرعيّتها وتمثيلها وجدواها، وبهذا نُسيء إلى الهيئة العربية الوحدوية الأهم للمواطنين العرب.

* أهمية اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية

ألحكم المحلي العربي، كأي حكم محلي بالعالم، هو شكل من أشكال الحكم الذاتي وهو جزء من الحقوق الجماعية، ولا يجوز التقليل من أهميّته، خاصّة لأقلية قومية تُقصَى عن التأثير في المؤسسات الرسمية، وتشكِّل فيها السلطة المحلية أداة للخدمات، وتشكّل، في الجزء المسيّس من إداراتها، ثقلا في النضال ضد سياسة التمييز القومي والمحلي، والسلطة المحلية العربية هي مالكة القسم الأكبر من مؤسسات البلد مثل المجلس البلدي/المحلي والمركز الجماهيري والمدرسة والمكتبة العامّة وغيرها.
وفي سياق الحديث عن "لجنة المتابعة" يجدر التأكيد إلى أن رؤساء السلطات المحلية هم الذين دعوا أعضاء الكنيست وغيرهم إلى اجتماعات مشتركة أفضت إلى تأسيس "لجنة المتابعة"، وهي الركيزة الأساسية لعملها وتنفيذ قراراتها، ورؤساء السلطات المحلية هم الأقدر على تنفيذ القرارات الوطنية مثل الإضراب وغيره خاصّة في الحالات العادية التي لا تتميّز بالمدّ الوطني، وهم الأقرب إلى هموم الناس الحياتية والأقدر على تصريف الأمور اليومية.

تعلّمنا التجربة أن رؤساء السلطات المحلية الذين يحضرون اجتماعات "لجنة المتابعة" هم الرؤساء المسيّسون حصرًا، فهم الأكثر اهتمامًا بالشأن العام القطري، أي ليس ذوي الاهتمامات العائلية والطائفية والمحلوية، كما أن اهتمامات "لجنة المتابعة" في القضايا الوطنية تفرض على الرؤساء الأقل تسييسًا اهتمامًا وتفاعلا مع الهمّ العام.
 
ويُهاجَم رؤساء السلطات المحلية على أنهم منتخبون على أساس عشائري وطائفي، وهذا اتهام صحيح في حالات وغير صحيح  في حالات أخرى (أنظر/ي الجبهة في انتخابات السلطات المحلية) ولكنّ مؤيدي "الانتخاب المباشر" لا يُقدّمون تصوّرًا يضمن عدم انتخاب القوائم للـ"برلمان العربي" أو "المجلس المنتخب" على غير هذا الأساس؟! أو لماذا سيجري التصويت للبرلمان أو "المجلس المنتخب" بذهنية وطنية صافية فوق فئوية على حين غَرّة؟ أو كيف سيُمنع الطائفي من التصويت طائفيًا، والفئوي لإبن منطقته؟ علمًا انه حتى في انتخابات الكنيست، فغالبية المواطنين العرب يصوّتون فيها من منطلقات محلية، إن كان ذلك بسبب الفرز العائلي أو فرز السلطة المحلية أو صلة الرحم من النشيط الحزبي وغيرها (أنظر/ي مادّة موسّعة حول المشاركة والمقاطعة في انتخابات الكنيست) ولعلّ انتخابات الكنيست تشكّل انتخابات مواجهة مباشرة مع أحزاب السلطة فإمكانيات التوجّهات فوق الفئويّة تبقى أكبر من "برلمان عربي" تدور فيها الانتخابات في مواجهة بعضنا البعض حصرًا وليس ضدّ المؤسسة وأحزابها الصهيونية! إذَا فالمشكلة الحقيقية هي في أنماط تصويت المواطنين العرب وليس في التصويت لهذه الهيئة أو تلك، محليّة كانت أو قطرية. ومعالجة هذه الإشكالية لا تتمّ، هنا أيضًا، بالـ"هروب إلى الأمام"، بل في مواجهة سياسة المؤسسة الحاكمة التي تسعى منذ نشأتها إلى تعزيز تجزيئنا إلى كلّ هويّة دون القومية، ومواجهة جريئة للعوامل الذاتية التي تعزّز الفئويات.

* قوّة التمثيل العربي في المؤسسات الإسرائيلية

ألمؤسسات الإسرائيلية أقوى وأهم من "المجلس المنتخب" أو "البرلمان العربي" من حيث الحكم والاقتصاد والتأثير، وتاليًا فالأعضاء العرب فيها أقوى وأهمّ من أعضاء "المجلس المنتخب" أو "البرلمان العربي" وأكثر صلاحيات وقدرة على التأثير. هذا الأمر ينسحب على رؤساء السلطات المحلية الذين يديرون طاقات بشرية وموارد هي الأكبر في المجتمع العربي.
 فهلا طرحنا سيناريو يخلق تناقضًا بين ممثلي المواطنين العرب في السلطات المحلية وبين "المجلس المنتخب" أو "البرلمان العربي"، وهذا ليس ببعيِد، خاصّة أن "اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية" كانت قد أصدرت بيانًا يوم 10.2.2004 تعلن فيه معارضتها لفكرة "الانتخاب المباشر".
في حالة تمّ التصويت بـ50% (دعنا لا نصف هذه الحالة بالطوباوية كما هو وارد أعلاه) وكان أعضاء البرلمان 100 عضو، فكل 3000 صوت يُدخل عضو برلمان، أي أقلّ من الأصوات التي يحصل عليها غالبية رؤساء السلطات المحلية مباشرة من جمهورهم، وكذلك أقلّ بكثير أعضاء الكنيست الذين يُنتخبون بعشرات آلاف الأصوات.
     هذا الوضع لن يجعل البرلمان قائدًا للمجتمع العربي، بل لن يجعل له أهمية تستدعي بذل كل الطاقات واهتمام الناس الاستثنائي للتصويت إلى هذا البرلمان.

    
* طروحات بدون إحاطات كافية.

إن الأحزاب والحركات الثلاث وغيرها من جمعيات وأكاديميين يطرحون فكرة "الانتخاب المباشر" كشعار بدون تفصيل وبدون تخطيط، فكلّ الأسئلة التي طرحتها أعلاه ما زالت مفتوحة، أو تؤوَّل على أكثر من اتجاه لدى تلك الأحزاب، ومن غير الجِدّي تقديم طرح كهذا دون دراسة جديّة، ومن غير المسؤول طرح هذا الشعار على مدى عقديْن وفي عشرات المناسبات، بل التهجّم على من يخالف الرأي، دون وضع تصوّر نظري مفصّل ووضع إجابات محدّدة لسيناريوهات مختلفة محتملة. هذا الواقع يضع الفكرة في مصاف الاستكساب السياسي، ويفتح الباب للتشكّك في مدى قناعة حامليها بالأهمية الفعلية لتنفيذها.
وأحد السيناريوهات التي يجب أن توضع هو التفكير في ردّ المؤسسة، ليس لأنّ رد المؤسسة هو الذي يحدّد نضال المواطنين العرب بطبيعة الحال، ولكن من باب الرؤية الشاملة للتصوّر وإعطاء الأجوبة وفْق كل السيناريوهات المحتملة.
ألواقع أن السيناريو الأقرب هو أن لا تتمّ عملية انتخاب "البرلمان" أو "المجلس المنتخب"، فالمؤسسة التي لم تسمح بإقامة "مؤتمر الجماهير العربية" وألغته بموجب أنظمة الطوارئ الإدارية، لن تسمح ببناء هذه المؤسسة المنتخبة وبموجب أنظمة الطوارئ ذاتها، والقانون لا يتيح الاستئناف على مثل هذا الحظر. ولكن هذا الطرح لن ينتهيَ بأمر الطوارئ الإداري قبل أن تُعبِّئ المؤسسةُ المجتمعَ اليهودي تحريضًا ضد المواطنين العرب والاستفادة القصوى من ذلك.
سيناريو الحظر الإداري بموجب أنظمة الطوارئ الانتدابي جِدي جدًا خاصّة أن "الانتخاب المباشر" من أجل "مجلس منتخب" أو "برلمان منتخب" للأقلية القومية في السياق الإسرائيلي، مشحونٌ أكثر من أي مكان آخر في العالم، فقوّة الترسّبات القومية لدى المؤسسة والمجتمع الإسرائيلي اليهودي هي أقوى من أية مؤسسة ومجموعة قومية أُخرى، فاليهود من "ذات القوم والدين" كما لا يوجد تعريف لشعب في العالم، وهي "دولة الشعب اليهودي الوحيدة"، وقد قامت "بعد ألفي سنة شتات" (كل هذه هي طروحات صهيونية ادعائية ولكن غالبية المواطنين اليهود مقتنعون بها) وبعد كارثة رهيبة بكلّ المقاييس، وهي تقع وسط محيط قومي وثقافي واحد وإن لم يكن موحدًا. كل هذا التشخيص، إن كان صحيحًا علميًا أو صهيونيًا إدّعائيًا، لكنّه يوضّح قوّة الترسّبات وشحن الرواية القومية، أكثر من الترسبات القومية  لدى التاميل في سيريلنكا- على سبيل المثال- والذين طالبوا ببرلمان خاص، فتطوّرت التوتّرات إلى صدامات دموية مُنوا من جرّائها بخسارة عسكرية فادحة وقتل 70 ألفا منهم حتى هذه السنة 2009، وطبًعا السياق في إسرائيل مشحون أكثر من الكاثوليك في إيرلندا والباسك في إسبانيا الذين تدهورت علاقتهم بالمؤسسة إلى صدامات دموية.
للتأكيد أقول إن ردّ فعل المؤسسة ليس المقرّر كما أثبتت التجارب السابقة، ولكنّه أحد الأسئلة والسيناريوهات التي ما زالت مفتوحة، ولم يسهم أحدٌ حتى الآن في إعطاء أجوبة أوليّة على هذه التساؤلات.
(يتبع)
1 "الحكم الذاتي الثقافي" هو ترجمة حرفية لمصطلح  cultural autonomy وهو يتجاوز البعد الثقافي، وقد يكون "الحكم الذاتي الثقافي" حكما ذاتيا في مجال الصحّة كما هو في بلجيكا، أو في المحاكم كما هو الحال في مقاطعة "كويبك" المتحدّثة بالفرنسيّة في كندا، أو حتّى حكمًا ذاتيا في قضايا في الأرض كما لدى بعض الأقليات في أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزلندا، وكل هذه الحقوق تندرج ضمن الحكم الذاتي الثقافي.
2 أظهر استطلاع الرأي الذي أجراه كوفمان ويسرائيلي أن عدد العرب المقاطعين أيديولوجيًا بين عدم المشاركين في التصويت لسنة 1996 هو 10.8% (نسبة عدم المشاركين كانت 22%) وبحسب استطلاع غانم وأوسوتسكي- لازر فنسبة المقاطعين أيديولوجيًا من بين عدم المشاركين في انتخابات 99 كانت 11.4% (نسبة عدم المشاركين كانت 25%) وحسب استطلاع أجراه روحانا وآخرون تبيّن أن المقاطعين أيديولوجيًا بين عدم المشاركين العرب في سنة 2003 كانت 9% (نسبة عدم المشاركين كانت 38%) وحسب استطلاع سموحة فإن نسبة المقاطعين أيديولوجيا بين عدم المشاركين في انتخابات 2006 هي 2.9% فقط (نسبة عدم المشاركين كانت 44%).  



(4- 4)
• موقف الجبهة من التنظيم على أساس قومي.

من غير الصحيح سياسيًا أو علميًا الإدعاء الجاهز أن "الجبهة" أو "الحزب الشيوعي" يرفضان التنظيم على أساس قومي لذا فهما ضد "الانتخاب المباشر". فهذا القوْل ينقصه الدليل، خاصّة أن:
- للحزب الشيوعي والجبهة دورا تاريخيا في بناء التنظيمات العربية، كما لا يوجد لأي حزب أو تنظيم آخر. منذ الجبهة الشعبية (1958) (التي رفضت المؤسسة تسميتها الجبهة العربية) التي أُقيمت بقرار من الحزب الشيوعي، وكذلك كل الأطر الوحدوية التي أُقيمت في السبعينيّات والثمانينيات.
- الحزب الشيوعي والجبهة يصرّحان أنهما ليسا ضد "التنظيم على أساس قومي" أو حتى من "أبناء طائفة واحدة" أو "منطقة واحدة"، ولكنّ المعيار هو الأهداف الوطنية والتقدميّة لهذا الإطار، فإقامة "لجنة المبادرة الدرزية" أو "لجنة المبادرة الإسلامية" أو "لجنة الدفاع عن الأراضي" أو "لجان الطلاب العرب" وغيرها أُقيمت كآليات أنجع من غيرها، لأسباب عدّة، في سبيل تحقيق هدف وطني وتقدّمي بدون عُقد قومية أو طائفيّة. ويجب أن تُبنى هذه التنظيمات بعد دراسات مسؤولة وعلمية لكي تخدم أهدافها.
هذا ما للجبهة وللحزب الشيوعي أن يقولاه نظريًا ويقدّماه عمليًا كأدلّة عينيّة على مواقفهما التاريخية بهذا الشأن. وهل يوجد دليل للآخرين لتفنيد هذين الإدعاءين ولرَمْي الحزب والجبهة بأنهما يرفضان التنظيم على أساس قومي؟
_______________

• نحو تطوير لجنة المتابعة

ذكرنا أنه منذ بداية التسعينيات بدأ نقاش حول تطوير "لجنة المتابعة"، وحقّق قفزة في المؤتمر العام للجماهير العربية في إسرائيل المنعقد في الناصرة يوم 14.12.1996-13، ومن ثَمّ عقد اجتماع وُصف بأنه أولي وتمهيدي في 11.12.1997 برئاسة إبراهيم نمر حسين- رئيس لجنة المتابعة إذّاك، انبثقت عنه لجنة ممثّلة عن كل الأحزاب والحركات، ولكن أداءها كان متعثرًا.
في بداية سنة 2001 واصل رئيس لجنة المتابعة شوقي خطيب عمل رئيس اللجنة محمد زيدان، بشكلٍ مكثّف من أجل الحوار بين مركّبات "لجنة المتابعة" والاتفاق حول إعادة تنظيم أو إعادة بناء "لجنة المتابعة" ، وبعد عدّة جلسات تقدّم سكرتيرو الأحزاب باقتراح نهائي لإعادة التنظيم والبناء في نهاية 2002، شمل بنودًا متقدّمة هامّة وهي:
- إقرار نظام داخلي واضح المعالم.
- إقامة صندوق وطني.
- إقامة الدوائر التالية: دائرة الثقافة، دائرة العمل المحلي والبلدي ودوائرها الفرعية من صحة، تعليم، رفاه اجتماعي وبيئة، دائرة الأهالي والعمل الجماهيري، جمعيات، مؤسسات خدماتية مختلفة، دائرة الشباب، دائرة التخطيط الاستراتيجي العام، الدائرة القانونية.
لا شك أن الأمور الواردة أعلاه، والتي تمّ الاتفاق عليها بين كلّ الأحزاب، تعتبر تقدمًا كبيرًا في عملية إعادة تنظيم لجنة المتابعة.

نحو تطوير إضافي- ألاتحادات العربية

في سنوات السبعينيات أُقيمت الأطر العربية الوحدوية المذكورة سابقًا، وبقي المنخرطون ضمنها فاعلين في النقابات العامّة، فأُقيم "اتحاد الطلاب الجامعيين العرب" وبقي أعضاؤه فاعلين في نقابة الطلاب العامة التي تضم الطلاب اليهود والعرب، وأُقيمت "اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية" وبقي أعضاؤها جزءًا من الحكم المحلي في إسرائيل، وأُقيمت "لجنة المتابعة" في بداية الثمانينيات ولم تشكّل بديلا للكنيست، وكذلك "اتحاد أولياء الأمور العرب" و"اتحاد الكتاب والأدباء" و"اللجنة القطرية للطلاب الثانويين".
الاتحادات واللجان العربية شكّلت ركيزة أساسية في نضال المواطنين العرب، ولم تعزلها عن التأثير ضمن النقابات العامّة، بالعكس فالموقف الموحّد للمواطنين العرب زادهم صلابة وقوّة وتأثيرًا في العمل ضمن النقابات العامّة، وأورد هنا ما كتبه د. إميل توما عن العلاقة بين "اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية" و"مركز الحكم المحلي": "مركز السلطات المحلية العام كان يحاول احتواء السلطات المحلية العربية بذريعة تمثيله جميع السلطات المحلية في البلاد.. ولكن اللجنة القطرية للرؤساء لم تشعر بأن هذا المركز يُدافع عن حقوقها، ولهذا انتهجت سياسة تعاون واستقلال. فكانت تطرح قضاياها أمام المركز وفي نفس الوقت تناضل منفردة حين تشعر بإهمال المركز حقوقها ومصالحها " والسؤال الأساس هو: لماذا لا يُستكمل هذا البناء، وتكون الاتحادات قاعدة شعبية من أجل تعزيز نضال المواطنين العرب من أجل حقوقهم القومية والمدنية؟!

إتحاد المعلمين العرب، كأحد الأمثلة

أدرج هُنا مثل التعليم العربي الذي يخرّج آلاف الطلاب العرب سنويًا، وهم مضطهَدون حتى الصميم في ثقافتهم وكرامتهم القوميّة، طلابًا يعرفون عن ثيودور هرتسل مؤسس الصهيونية أكثر من أي قائد فلسطيني وطني آخر. فلماذا لا  يُقام "اتحاد المعلمين العرب" من أجل تطوير الشخصية الدمقراطية المعتزّة بانتمائها الوطني والقومي والمنفتحة على ثقافة الشعوب الأخرى وعلى القيم الكونية الجامعة، ويُواصَل النضال ضمن النقابة العامة، والآن بقوّة أكبر، من أجل القضايا الطبقية وتحسين أجور المعلمين وظروف التعليم، وأيضًا من أجل القضايا الدمقراطية وفي صُلبها حقوق التعليم العربي؟
بوجود الاتحادات، إضافة للهيئات الموجودة حاليًا، بإمكان المواطنين العرب إنجاح الإجراءات النضالية بشكلٍ أنجع وأشمل وأقوى حيث تمتد الإجراءات إلى مختلف القطاعات (من يجرؤ على فصل معلم منظّم في "اتحاد" يحميه؟! فإذا عوقب معلم على خلفيّة "ارتكابه مخالفة وطنيّة" فـ"اتحاد المعلمين العرب" سيقوم بإجراءات احتجاجية تؤلم الوزارة، ولكن بدون هذا "الاتحاد" يمكن الفصل أو العقاب دون رد فعل كافٍ) وتجربة المواطنين العرب مع النقابات العامّة، وعلى رأسها "الهستدروت" مريرة (المثل الأسطع هو موقف الهستدروت ضد العمال العرب المضربين في يوم الأرض الأوّل، وقد أصدرتْ بيانًا مسبقًا أنها لن تُدافع عن العمّال المضربين) حيث ان القضايا الخاصة بالأقلية القومية ليست على جدول اهتمامها على أحسن حال بل إنّها تتواطأ مع السلطة، علنًا، ضدّها وهذا غالبًا ما يحدث!!
يُمكن الملاحظة في كل الإضرابات، ومنها الإضراب الأخير (1 تشرين الاوّل 2009) أن المعلمين لا يجرؤون على الإضراب فيدعون الطلاب لا يضربون، ومن الواضح أنه بوجود "اتحاد المعلمين العرب" فيكون شريكًا في اتخاذ القرار بالإضراب مما يتيح المجال لإضراب كل المعلمين دون التخوّف من العواقب.
هذا التوصيف لا يعني إدارة الظهر للمواجهة الحقيقية ضمن النقابات العامّة، بالعكس تمامًا، فالنقابيّون العرب يخوضون غمار النقابة العامّة بقوّة أكبر وحتى إن كان ذلك ضمن أحزاب مختلفة. وقبل مئة سنة وصف ف. إ لينين تكتيك "اليساريين" بمقاطعة النقابات التوفيقيّة أو الرجعيّة "بالهراء الصبياني المضحك"، وصفًا ما زال صالحًا ودقيقًا في جوهره.

أهمية إقامة الاتحادات العربية:

أُجمل أهمية الاتحادات، بالأمور التالية:
- "ألاتحادات العربية" يجب أن تؤسَّس بناءً على حاجة وتصوّر العاملين في المجال المعنيّ وهذا هو الأساس، وهذا الذي يبرّر وجودها ويضمن استمرارها، وليس كطرح يسعى إلى التنظيم ضمن رؤية نخبوية أو نظرية عامّة وحسب.
- منطلق إقامة "الاتحادات" يجب أن يكون شعبيًا قاعديًا يتنفّس من رئة الحاجة الموضوعية الكفاحية للجماهير.
- يخلق أداة شعبية متكاتفة قادرة على فرض إرادتها، وإقامة هذه الأطر الاتحادية يزيد من الاهتمام الطبقي وليس الوطني المجرّد، خاصّة أن غالبية هذه الأطر قادمة إلى "لجنة المتابعة" بوصفها ممثلة عن مهن محدّدة.
- يعزّز الوعي السياسي عبر العمل الشعبي لمنع حصر السياسة في الأداء البرلماني.
- تأتي الاتحادات لتأكيد الوطني المشترك والمصالح الحقيقية للناس ومحاصرة النزعات الانغلاقية والطائفية والإقليمية وسائر الجهويات.
- هنا الفرق شاسع بين إقامة الاتحادات وصناعة الجمعيات، فالجمعيات التي تؤدي دورًا مهنيًا هامًا ينقصها البعد الشعبي وهي مرهونة بالصناديق العالمية التي قد تغلقها في كل لحظة، بينما الاتحادات مبنية على حاجة الجمهور وتبقى مرهونة بهذا الجمهور واحتياجاته.
- إقامة الاتحادات يعزّز من استثمار الوزن الكمّي والنوعي للمواطنين العرب بالشكل الأفضل الموحَّد والموحِّد لهم، أيضًا داخل النقابات الإسرائيلية العامّة، وفي مواجهة السلطة عمومًا.
حريّ التأكيد على أنه في الوضع الحالي، حيث لا توجد "اتحادات عربية" في الكثير من القطاعات التي يُميّز فيها ضدّ المواطنين العرب، يجب عدم الانتظار حتى تأسيس هذه "الاتحادات" وإنّما أن ينتدب الممثلون العرب في النقابات الإسرائيلية العامة ممثلا عنهم في لجنة المتابعة، وبهذا تُصبح كلّ القطاعات ممثّلة في اللجنة، حتى قبل إقامة "الاتحادات".

آلية تنفيذ قرارات "لجنة المتابعة"

لا شكّ أن آلية تنفيذ قرارات "لجنة المتابعة" هي أحد المحاور الأكثر أهمية، حيث ان تنفيذ القرارات يدلّ على جِديّة اللجنة وكذلك على شرعيتها وتجاوب الأحزاب والمواطنين مع قراراتها.

ألوضع الحالي يشهد تفاوتًا حيث ان نجاح الفعاليات التي تدعو لها "لجنة المتابعة" منوط بشكلٍ حاسم بمدى جهوزية المواطنين، ومسألة الجهوزية هنا ليست ما استطاعت الأحزاب أو "لجنة المتابعة" تعزيز هذه الجهوزية، وإنما هي الجهوزية الفطرية المبنيّة بالأساس على ردّ الفعل المباشر، ولعلّ أكثر المظاهر إساءة إلى "لجنة المتابعة" هو نجاح بعض الأحزاب منفردة في تجنيد الجمهور لمناسبة ما أكثر من نجاح اللجنة في تجنيد الجمهور رغم أنها تجمع كل ألوان الطيف السياسي.
إن ضعف الثقافة الوحدوية لحساب الحزبية والحركوية هو السبب الأساس في هذا القصور، والأحزاب التي لا تساهم جديًا في إنجاح قرارات "لجنة المتابعة" لا تساهم في الإساءة إلى اللجنة ونزع شرعيتها وحسب، وإنما هي ذات الأحزاب التي تشكو من عدم فاعليّة لجنة المتابعة.
إن نجاح آلية تنفيذ القرارات في "لجنة المتابعة" يعود إلى أربعة:

1. تعزيز الثقافة الوحدوية والالتزام الجماعي والمكاشفة عند حدوث تقصير في تنفيذ القرارات من قبل الأحزاب، وللأحزاب جمهورها المسيّس وقياداتها الميدانية.
2. لرؤساء السلطات المحلية دور هام، وحاسم أحيانًا، في إنجاح القرارات فهم المسؤولون عن اهمّ مؤسسات المواطنين العرب من مجلس محلي ومدارس ومراكز ثقافية ورياضية وغيرها. وهنا يجب المكاشفة في التنفيذ وعدم تنفيذ القرارات في هذه الحالة أيضًا.
3. وجود اتحادات شعبية منظمة وعضو في لجنة المتابعة سيساهم في إنجاح تنفيذ القرارات شعبيًا وقاعديًا وشاملا لكل قطاعات شعبنا، كما تمّ الاقتراح سابقًا.
4. تشهد القرى والمدن العربية وحتى المختلطة في السنوات الأخيرة مدًا شبه شامل من حيث بناء "اللجان الشعبية"، وهذه اللجان هي عبارة عن إطار وحدوي يجمع كل الأُطر والشخصيات الوطنية، وقد تقوم بقيادة المجلس البلدي كما في مدينة سخنين مثلا، أو تقوم ردًا على حلّ السلطة المحلية كما هو الحال في مدينتي الطيبة وباقة الغربية وقريتي كفر كنا وإعبلين على سبيل المثال، وحتى ان هناك من أطلق عليها اسم "لجنة المتابعة المحلية" كما في كفر مندا. هذه اللجان من شأنها أن تشكّل قواعد محلية لـ"لجنة المتابعة"، مبنية على الحاجات والمصالح الحقيقة لأهل البلد الواحد، وهذا ما يضمن استمرارها.

• تلخيص

"لجنة المتابعة" بمبناها الحالي هي الإطار الجامع لكل الأحزاب والحركات من شيوعيين ويساريين إلى قوميين وإسلاميين، وكذلك مختلف مؤسسات المجتمع المدني، وهي الجامعة لقضايا الإجماع الوطني والتصدّي الموحّد للتحديات، وهي إطار طوعي مبني على الإجماع والإقناع، وفق الانتماءات والمصالح المشتركة، لذا يصعب كسرها، ويمنع اختلاق أكثرية وأقلية، ممّا قد يبعد مجموعات عن اللجنة أو عدم التقيّد بقراراتها وربّما يتسبّب في ترك اللجنة وإقامة لجنة جديدة ومضارِبة للأولى، و"لجنة المتابعة" تجمع توازنات هامّة بين الوطني (الأحزاب وأعضاء الكنيست) والمحلي (رؤساء السلطات المحلية) بدون تقسيمات ميكانيكية، حيث أن من الواجب الوطني الاهتمام بالقضايا اليومية والمحلية والعكس صحيح، بل إن هذه التوليفة تُساهم في جعل ممثلي الأحزاب أقرب للقضايا اليومية، كما لا تَعفي رؤساء السلطات المحلية من الدور القطري والوطني، وهذا أمر لا يجوز التقليل من أهميّته.
"لجنة المتابعة" تُعتبر الهيئة الشرعية الوحدوية من وجهة نظر المواطنين العرب، فجميع ممثلي المجتمع العربي يجتمعون تحت سقفها ويحتكمون لإجماعها، والسلطة الحاكمة ووسائل الإعلام الإسرائيلية تتعامل مع "لجنة المتابعة" كالإطار التمثيلي للمواطنين العرب، وهذه الشرعية من المواطنين العرب أساسًا والتي فرضت ذاتها على المؤسسة الحاكمة هي إنجاز تاريخي هام.
المبنى الحالي لـ"لجنة المتابعة" يجمع أكبر عدد من توجّهات المواطنين العرب على أكبر قاسم مشترك، أما الاهتمامات الحزبية الخاصّة فتقوم بها الأحزاب بطُرُقِها دون الحاجة لإلزام الآخرين بما هم غير مقتنعين به.
إن وجود ممثلي الأحزاب وممثلي السلطات المحلية العربية يضمن تنفيذ حقيقي لقرارات "لجنة المتابعة"، حيث أن للأحزاب ثقلا أخلاقيًا ولرؤساء السلطات المحلية صلاحية قيادة اكبر مؤسسات المجتمع العربي مثل السلطة المحلية والمدارس والمراكز الجماهيرية والمكتبات وغيرها.
إن أي تغيير في "لجنة المتابعة" يتطلّب من الجميع الحرص في ذلك، نظرًا لأهمية اللجنة، ونظرًا لتربّص المؤسسة الحاكمة.
"لجنة المتابعة" المتابعة بحاجة إلى تطوير في أدائها وتأثيرها ويمكن القيام بذلك عن طريق: تعزيز الثقافة الوحدوية والالتزام الجماعي والمكاشفة والشفافية لدى الأحزاب ورؤساء السلطات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك في اتخاذ القرارات ولكن بالأساس بمصداقية العمل على تنفيذه. وكذلك إقامة اتحادات شعبية منظّمة في كلّ مجال وتكون ممثّلة في "لجنة المتابعة"، وإقامة لجان شعبية محلية كما يحدث تلقائيا في العديد من القرى والمدن، وربّما يكون اسمها "لجان متابعة محلية" وتكون أذرع محلية لتنفيذ قرارات "لجنة المتابعة".
في الظروف التي يعيش فيها المواطنون العرب فإن الطرح الأكثر وطنية ومسؤولية وحصانة هو الساعي لتعزيز وتطوير "لجنة المتابعة" كـ"لجنة منتخبين" وليس كـ"لجنة منتخبة".

(انتهى)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق