الاثنين، 20 يونيو 2011

إضراب شعب أصيل



(ملاحظات عن استراتيجية متشرذمة)






الأحد 4/10/2009

الإضراب كان ناجحًا وفْق كل المقاييس، وحمل في طيّاته احتجاجًا جماعيًا هادفًا وحملة توعية اجتاحت المدارس ومجمل شرائح شعبنا، من خلال الإجابة على السؤال: لماذا الإضراب؟. وما "التجاهل" السلطوي والإعلامي الساطعان إلا النقيض لتفاعلهما حين يخدم الإضراب أهدافهما في تصويرنا "أعداءً وغوغائيين". لقد كان شاملا وواضحًا وحضاريًا لدرجة جعل الإعلام الإسرائيلي يجتهد لحجبه – إلى حدّ كبير- عن المجتمع اليهودي. 
في هذا الإضراب اختار شعبنا معادلة الشجاعة والمسؤولية وسطّر يومًا كفاحيًا إضافيًا، وأكد لمن ظنّ أنه ضَرب هذا الشعب على رأسه في يوم القدس والأقصى 2000، فها هو يتحدّى بأصالة رافعًا راية الإصرار على العيش بكرامة وحقوق فوق ثرى وطنه.


  هذا الإضراب أثبت العلاقة الجدلية بين الجاهزية الشعبية والقرار السياسي الحكيم. الأمر الذي جعل الإضراب ينجح أكثر من الإضرابات الستّ التي تلت يوم القدس والأقصى 2000، والتي لا يتذكّرها الناس، أمّا هذا الإضراب فيرسخ في الذاكرة لأنّه كان إضرابًا حقيقيًا وحدويًا وردًا على مجمل السياسية الرسمية المعادية للجماهير العربية.
ويحقّ لنا أن نُحيّي رفاق الحزب والجبهة في القرى والمدن العربية والمختلطة، هؤلاء الذين كانوا أوّل من بادر إلى إنجاح الإضراب في كل بلد، وهم الذين هيّئوا الأرضية الأساسية والأولى لإنجاح الإضراب، هؤلاء الذين لم يرتاحوا إلا بعد نجاح الإضراب.

- هذا الإضراب الناجح تميّز بإشكاليات يجب الوقوف عليها، ومنها:
1. إن الاختلافات في الرؤى الحزبية والأيديولوجية جعلتنا نسعى إلى إضراب غير محدّد الأهداف والاستراتيجيات، فالجبهة تؤكّد على أنه ردٌ على مجمل السياسة الرسمية من نزع شرعية وتحريض وإقصاء، ويتفرّع عن ذلك القوانين العنصرية الأخيرة. واختارت "يوم القدس والأقصى" كعلامة فارقة في نزع شرعية المواطنين العرب والتحريض عليهم، وفي صُلبه ملّف الشهداء. أمّا الحركة الإسلامية فأرادت شدّ الإضراب نحو "الأقصى ثمّ الأقصى ثمّ الأقصى" كما جاء في بيانها، أو كما جاء في بيان الناطق الرسمي أن "الشهداء ما سقطوا إلا لعيون الأقصى" وما هذا التوكيد إلا تزوير للحقيقة، وهي أنّا، نحن جماهير هذا الشعب، خرجنا إلى الشوارع في أكتوبر 2000 من أجل القدس والأقصى وحقوقنا القومية والمدنية وضد الاحتلال والتمييز والعنصرية والبطالة، كلّها معًا وليس فقط "إلا لعيون الأقصى".
إن هذا التشرذم في الرسائل جعلنا نُخفق في توجيه رسالة وحدوية، وحتى أنّا فشلنا في ايجاد اسم موحّد للإضراب على غرار "يوم الأرض" أو "يوم المساواة" أو "يوم القدس والأقصى"، وهذه من ابسط الاستراتيجيات السياسية والإعلامية.

2. لقد حاولت الجبهة، لوحدها، مخاطبة المجتمع اليهودي، ورفضتْ ذلك بقيّة الحركات السياسية على الإطلاق. ومن منطلقات مختلفة، ولكنها تصل إلى النتيجة ذاتها، حال الإعلامُ والمؤسسة الإسرائيلية دون مخاطبتنا المجتمع اليهودي.
عندما اقترحنا أن يتحدّث يهودي في المظاهرة، على سبيل المثال، وقف ممثّل "التجمّع" رافضًا ذلك: "بدناش يهود"، أمّا ممثّل "أبناء البلد" فقال: "أين كان اليهود في الأحداث سنة 2000؟"، وممثل "الحركة الإسلامية" اعترض على ذلك بشدّة، واعترضوا كذلك على اقتراحنا لعقد لقاءات مع أصحاب ومحرري الصحف العبرية لأنه "لا أمل يُرجى منهم" ولكنّ الذي بزّ غيره كان الشيخ كمال خطيب الذي كتب في "صوت الحق والحرية" ما يلي: "لذلك فإن من نافلة القول تذكير من يصرّون على إطلاق اسم (هبة أكتوبر) على انتفاضة الأقصى لأقول لهم إن الانتفاضة كانت من أجل الأقصى وليس كرمال عيون أكتوبر ولا تشرين، ولأنّهم بالتأكيد على أكتوبر يريدون الجمع ولفت الانتباه إلى ثورة أكتوبر الحمراء هناك في روسيا قبل تسعين عامًا تقريبًا، وهل الإصرار على أن تكون كلمة للقوى اليهودية في ما يسمّونه هبة أكتوبر، إنما هو العرفان والجميل لليهود من كرستينا كابا زوجة لينين زعيم ثورة أكتوبر الحمراء هناك في روسيا ومن قبله لكارل مردخاي ماركس".
لا بدّ أنه قد أصابتكم الدهشة والأسى من هكذا خيال متشعّب ومضطّرب، ولكنّه يتوافق مع قوْل الشيخ خطيب في مهرجان "الأقصى في خطر" أوّل أمس كما نشره موقع "فلسطينيو 48": إن الصراع في منطقة الشرق الأوسط لن يكون ابدا صراعا سياسيا ولا هو صراع اقتصادي ولا صراع على ارض، لانها ليست أية ارض، انما الصراع هو صراع حضاري، ديني ،عقائدي".
إن هذا التشخيص الذي يوافق عليه، تمامًا، بوشُ الإبن وأنصاره ممّن يطلقون على أنفسهم اسم "المسيحيون الصهاينة" وكذلك صموئيل هانتنغتون صاحب نظرية "صراعات الحضارات"، هذه التشخيص يفسّر كل شيء، ولهذا يجري التأكيد على "الأقصى" أضعافًا مضاعفًة أكثر من القدس ومن الاحتلال، ولا أجد ردًا أنسب من ردّ توفيق زيّاد للقائد الشهيد ياسر عرفات حين قال له أبو عمّار" إن شاء الله سنصلّي معًا في الأقصى" فأجابه أبو الأمين: "نريدك أن تدخل القدس دخولا سياسيًا" لأن السيادة تكفل العبادة بينما العبادة لا تكفل السيادة، ومعركتنا الأساس هي تحرير القدس وهذا هو التحرير الأشمل والأعمق للأقصى أيضًا.
إن تعرّض الشيخ خطيب لإسم والد ماركس، هو ذات المنطق الذي يتعرّض له اليمين الإسرائيلي والأمريكي لإسم والد أوباما فيصرّون على الإسم الكامل: "براك حسين أوباما"، لذا فليس غريبًا على كوادر الحركة الإسلامية أن تستقبل المؤرّخ التقدّمي والبطل إيلان بابه بالـ"بوز" وبالشعار الغوغائي: "خيبر خيبر يا يهود جيش محمّد سوف يعود"، هؤلاء أولاد ثقافة "الصراع الديني" وأولاد منطق البحث عن اسم والد ماركس واسم زوجة لينين.
لكنّ الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فهو لا يخلو من نفاق الاستقواء، ففي مرحلة الاستقواء يهيجون على اليهودي الذي يأتي للمشاركة في المظاهرة، أما في مرحلة الاستضعاف فلا مانع أن يدافع المحامي اليهودي أفيجدور فيلدمان عن الشيخ رائد صلاح أكثر من سنتين، فعندها تُوزَّع لليهودي فيلدمان ابتسامات باهتة، اسمها نفاق.
إن الموافقة على "المتحدّث اليهودي في المظاهرة" لم تتمّ إلا بعد ثلاثة أسابيع من النقاش! وفقط في الساعة التاسعة ليلا قبل يوم الإضراب، وبعد أن عقدت الحركة الإسلامية اجتماعًا طارئًا وأرسلت إلى "لجنة المتابعة" رسالة تبلغها فيها رفضها أن يتحدث يهوديٌ في المسيرة!! الجبهة أصرّت على أن يتحدّث "يهودي"، وتقرّرَ أن تتحمّل هي وحدها وزْر ذلك "الإثم العظيم"!!
أَتأمّل في اليهود الذين جاؤوا من تل أبيب إلى قرية عرابة البطّوف في يوم عمل عاديّ، مُلغين ذلك اليوم على حسابهم، يسيرون وهم يسمعون شعارات لا يفهمون معناها الحرفي وبلغةٍ لا يفقهونها، ومع ذلك يسيرون ويسيرون، وأردّد: أولئك إخواني وشركائي. وبالطبع ليس إخواني العرب الأقحاح من أمثال قاتل الشهيد رامي غرّة من جت ولا غيره من العرب المتورّطين في قتل شهداء قريتيْ البطوّف.
في اجتماعات سكرتيري الأحزاب تقرّر أن نَنشُر عريضة في صحيفة "هآرتس" لمخاطبة المجتمع الإسرائيلي، واُتخذ القرار بعد نقاش مستفيض، ولكنّ أي من الأحزاب الأخرى رفض المشاركة في دفع ثمن الإعلان، لأنّه موجَّه لليهود و"لا حاجة تُرجى من ذلك"!!

3. هل مواجهة المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية هي أحد عناوين وساحات النضال؟ الحركة الإسلامية لا ترى ذلك، وما كتابة الشيخ صالح لطفي الباحث في مركز الدراسات المعاصرة إلا موقف ضمن عشرات المواقف التي تميّز الحركة فيكتب الشيخ لطفي في "صوت الحق والحرية: "إن الحفاظ على سيرة هذا الركب من الشهداء ينطلق من الإضراب الشامل، الذي نعلم علم اليقين انه لن يؤثر في المؤسسة الإسرائيلية". إذًا فنحن نناضل من أجل أن نعبِّئ شعبنا وليس أكثر، وإذا حصرنا الإضراب في ملّف الشهداء- على سبيل المثال- فمَن نُطالب نحن بمحاكمة القتلة؟ وفي أي سجون سنضعهم، المصرية أم السعودية أم غزّة؟ هل توجد خطّة لذلك، أم أننا أعفينا المؤسسة لأننا "نعلم علم اليقين انه لن يؤثر في المؤسسة الإسرائيلية".

4. لقد استمعتُ إلى كلمات المهرجان، ومنها كلمة ذوي الشهداء الذين يقفون في المفصل الذي يجمعنا كلّنا، وهذه المكانة الوحدوية الهامّة يجب أن تميّز ذوي الشهداء، وما التعرّض إلى تحليلات سياسية خِلافيّة مثل الموقف من "الخط الأخضر" و"أوسلو" و"الخلاف الفلسطيني" وغيرها سوى الدخول في تحليلات سياسية ومساحات خلافية لا تُفيد القضية الوحدوية والعينية التي يجب أن يتركّز فيها ذوو الشهداء، خاصّة في موقفهم الرسمي على منصّة "يوم القدس والأقصى".
هذا الأمر يعيدنا إلى المربّع الأوّل في العلاقة بين الأحزاب ولجنة ذوي الشهداء، نريدهم أن يتركّزوا في البعد الموحَّد والموحِّد، لنثابر معًا حتى إحقاق الحقّ.

5. تأتي "صفقة الشريط" التي بدّلت فيها إسرائيل عشرين أسيرة فلسطينية مقابل "شريط" مدّته دقيقتان عن "جلعاد شليط"، وكذلك الإعلام العبري الذي يضع عنوانًا ضخمًا لكلّ تطوّر تفصيلي في قضيّة الشريط، لتضعنا أمام أسئلة أخلاقية حول مدى اهتمامنا في قضيّة شبابنا الضحايا الذين سقطوا في أكتوبر 2000. هم يهتمّون بـ"رون أراد" و"جلعاد شليط" وحتى بالمجرم الجنائي "إلحنان تيننباوم" ويقايضونهم بمئات الأسرى المناضلين، وبعضنا يتذمّر من الإصرار على متابعة ملف مقتل ثلاثة عشر شابًا، قُتلوا فقط لأنّهم عرب وفقط لأنهم تظاهروا. وحتى "لجنة أور" التي أجحفت حقوقًا أساسية لنا، كتبت: "الشرطة تتعامل مع العرب كأعداء وليس كمواطنين" وأن "القتل كان غير مبرّر أبدًا".
علينا أن نقرّر إمّا أننا جادّون أو غير جادّين، وقد كنّا جادّين جدًا في العديد من المحطات وآخرها عريضة ربع المليون توقيع والإضراب الشامل، ولكن هذه القضية بحاجة إلى متابعة استراتيجية، وليس إلى "فزْعات"، بحاجة إلى متابعة الملفّ بشكل منهجي شعبي ومهني في مواجهة المؤسسة، وذلك من خلال إقامة لجنة ثابتة منبثقة عن لجنة المتابعة هي "لجنة يوم القدس والأقصى"، هذه اللجنة تضع الخطط الشعبية والمهنية، محليا وإسرائيليًا ودوليا، لننعتق من ذهنية "الفزعات" ونعمل بشكل استراتيجي ومثابر، ولنضع جوابًا لأحد الأسئلة المفتوحة في هذا الإضراب: وماذا بعد الإضراب؟

في المسيرة قلت لنفسي: إن هذه الجبهة هي هبة شعبنا، صمّامُ أمانه ووجهُه الحضاري، لنعزّز حضورها وتأثيرها أكثر في المعركة الطويلة للعيش بكرامة وحقوق في وطننا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق