السبت، 18 يونيو 2011

المطلوب: لجنة تحقيق حياديّة بمشاركة مختصّين دوليين


الأربعاء 30/1/2008

"إن المنتصرين لن يكونوا أولئك الذين يُلحقون أكبر قدر من المعاناة، بل أولئك الذين يتحمّلون أكبر قدر من المعاناة"

تيرينس مكسوايني- رئيس بلدية كورك سيتي، الذي مات في سجن بريكستون احتجاجًا ضدّ البريطانيين.

إن لإضراب بعد غد الجمعة والمسيرة المركزية أهمية استثنائية كونهما يشكّلان قاعدة جديدة لانطلاق النضال ضد المجزرة الأخلاقية التي نفّذها الجهاز القضائي بعد سبع سنوات من المجزرة الدموية.
ندرك أنه كان باستطاعة المؤسسة تقديم بعض المتّهمين إلى المحكمة بنيّة الحصول على تبرئتهم من قبل المحكمة، وبهذا تسهم في شرعنة قرارها العنصري، وندرك أنه كان باستطاعة المؤسسة تعيين لجنة لتنفيذ توصيات لجنة أور المدنية (رغم أن المطلوب كان الشروع في تنفيذ التوصيات المدنية وليس إقامة لجنة جديدة) ولكنّها تعمّدت تعيين غلاة اليمين المتطرّف وأكثرهم كراهية للعرب كإيفي ايتام وبيني إيلون وتساحي هنغبي وغدعون عزرا!! وندرك أن الشرطة ما كانت لترتكب جرائمها العشرين بعد توصيات لجنة أور التي أشارت إلى ان "الشرطة تتعامل مع العرب كأعداء وليس كمواطنين" وندرك وندرك.. ولكنّ السلطة لم تشأ الضحك على ذقوننا كما حاولت دائمًا، بل قرّرت، هذه المرّة، إظهار عينها الحمراء البشعة، عن سبق إصرار وترصّد.
لذا فردّة فعلنا يجب أن تكون بحجم الصلافة وعمق الإهانة، بإضراب شامل ومظاهرة ألوف مؤلّفة جبّارة في مدينة سخنين، بلد الشهداء والشهيدات، ولكن.. هذا لا يكفي، وكلّنا يعرف أنّ هذا لا يكفي!

*المطلوب: لجنة تحقيق حياديّة بمشاركة مختصّين دوليين*

لسنا من الذي يعوّلون على الهيئات الدولية، خاصّة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، ونحن نرى بأم أعيننا غزّة المحاصرة وآلاف القتلى في العراق، فأين نحن من هذه المآسي التي لا تحرّك الهيئات الدولية فيها ساكنًا إلا.. بإشارة من العم سام، والحقيقة أن معركتنا الأساسية هي هنا، بين الجماهير العربية وعلى الساحة الإسرائيلية حيث لا يحك ظهرك مثل ظفرك وحيث لا يحرث الأرض إلا عجولها، وحتى عندما نستنفد الوسائل القانونية داخل إسرائيل (وقد استنفدناها) فنتّجه للعالم، ليس بهدف البقاء هناك، وإنما بهدف تسديد الكرة بشكل أقوى إلى الهدف هنا وفي هذا الملعب بالذات، ولن تكون ثمّة أهمية لهذا التوجّه إن لم تكن قاعدته من النضال الشعبي هنا وقوامه تجنيد الجماهير العربية والسعي نحو إقناع أوسع الشرائح من المجتمع الإسرائيلي، خاصّة أن الجريمة ساطعة وتقلّص مناورات "اليسار الصهيوني"، حتى أن أوساط واسعة من "التيار المهيمن" الإسرائيلي مقتنعة بصحّة ادّعاءاتنا، والتأثير على هذا المجتمع يجب أن يشكّل استراتيجية أساسية في نضالنا حتى إماطة اللثام عن كل المجرمين وعن السياسة الحاكمة والأيديولوجية التي تربّي على التقليل من العرب، وحتى على قتلهم.

في توجّهنا العالمي يجب تحديد مطلبنا وهو المطالبة بإقامة لجنة تحقيق حيادية، يُشارك فيها مختصون دوليون، ويكون لها صلاحيات لجنة تحقيق رسمية بخصوص استدعاء شهود والاطلاع على بيّنات، وأن تكون لها صلاحية ملزمة بخصوص تقديم لائحات اتهام، وأن تتشكّل اللجنة من أعضاء بموافقة الطرفين- حكومة إسرائيل ولجنة المتابعة، وأن يتمّ اختيار الأعضاء وفق معايير الحيادية والنزاهة ومدى التزامهم بمبادئ حقوق الإنسان، وأن يكونوا ذوي اختصاص بمسائل تحقيق مشابهة وخبرة جدية بمواضيع تحقيق مشابهة، وعلى اللجنة أن ترتكز بصلاحياتها وتركيباتها على نص قانوني واضح. هكذا يجب أن يحدّد مطلبنا من الهيئات الدولية.

*تجربة ايرلندا الشمالية وتجربتنا*

ربّما اندهشت أكثر من المحامي بيتر مادن رئيس الطاقم الشرعي الذي مثل غالبية عائلات متظاهري الحقوق المدنية الأيرلنديين الذين قتلوا في أحداث "يوم الأحد الدامي" في عام 1972، كما عبّر عن صدمته من التشابه المذهل بين "أكتوبر 2000" و"يوم الأحد الدامي"، وقد قال: "عندما بدأت بالتعرّف على قضيّة مقتل الثلاثة عشر شابًا صُعقت على الفور لمدى التشابه القائم مع مقتل الثلاثة عشر شابًا بأيدي الجنود البريطانيين في "يوم الأحد الدامي" في ديري، في العام 1972".
والحقيقة أن التشابه هو ليس في عدد الضحايا وحسب، بل أن عمليّات القتل في كلتا الحالتين، في ايرلندا 1972 وبلادنا 2000، نبعت من مظاهرة احتجاج؛ احتجاج ضدّ الظلم، احتجاج ضد التمييز واحتجاج ضد القمع العنيف والوحشي، كما أن الوطنيين الإيرلنديين، شكّلوا، مثلنا، الأغلبية في بلادهم، وتحوّلوا إلى أقليّة بين ليلة وضحاها، كما نقول، ويقولون.
وربّما تصرّ العقلية الكولونيالية، هناك وهنا، على المُضي حذو النعل بالنعل وراء بعضها، فهناك، أقامت الحكومة لجنة فحص (وليس "لجنة تحقيق رسمية") بعد مظاهرات صاخبة، وعندنا أقامت حكومة إسرائيل لجنة فحص، وهناك خرجت لجنة الفحص بتوصيات سريعة بعد ثلاثة أسابيع، وهنا تمّ الغاء هذه اللجنة بعد ثلاثة أسابيع نتيجة لرفض الجماهير العربية، وهناك إضطرت الحكومة لإجراء تحقيق رسمي، وهنا كذلك الأمر أقامت "لجنة تحقيق رسمية"، وتأبى العقلية الكولينيالية إلا أن تُنهي المهزلة بالمشهد الدرامي ذاته، إغلاق كلّ الملفّات.. ولكن إلى حين.
الشعب الإيرلندي أمهل ولكن لم يهمل! وواصل النضال 26 عامًا متواصلة، وكان ينجح تارة ويخفق طورًا، حتى نجح في إقامة لجنة تحقيق محايدة برئاسة اللورد سافل (لجنة التحقيق برئاسة قاضي عليا إنجليزي والثاني قاضي عُليا من استراليا والثالث قاضي عليا من كندا، والثلاث قُضاة تمّ تعيينهم بموافقة طوني بلير وممثلي الضحايا الإيرلنديين، وكان لها صلاحيات تحقيق شاملة) التي أماطت اللثام عن السياسة وعن المسؤولين عن جرائم "الأحد الدامي" في ديربي الإيرلندية.
دماء ضحايا أكتوبر 2000 والجماهير العربية وكل الديمقراطيين لا يلاحقون الجنود القتلة وحسب، وإنما يلاحقون الذين أعطوا الأوامر من النوافذ العليا، يلاحقون رئيس الحكومة براك ووزير أمنه بن عامي، ويلاحقون الأيديولوجية والسياسة العنصرية، وما يوم الجمعة إلا انطلاقة جماهيرية جبّارة لتتجّه نحو المطلب العيني: إقامة لجنة تحقيق محايدة وبمشاركة مختصّين دوليين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق