الثلاثاء، 14 يونيو 2011

مرحلة المخطّطات المركّبة


الخميس 28/4/2005

مقتطفات من مداخلة المحامي أيمن عودة عضو مكتب الجبهة القطريّة حول موضوع "الخدمة المدنيّة" في الندوة الفكريّة التي دعت إليها "جبهة الناصرة الديمقراطيّة" في 8.04.2005 تحت عنوان: الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل بين مكاسب "يوم الأرض" ومخاطر " الخدمة المدنية".

مرحلة المخطّطات المركّبة


مشروع "الخدمة المدنيّة" مخطّط خطير تدحرج حتى وصل اليوم مكتب رئيس الحكومة شارون، والذي سيَبثّ فيه خلال الأيّام القريبة القادمة.
أنا أرى بالمخطّط جزءًا من مرحلة المخطّطات المركّبة المحاكة ضد الجماهير العربيّة بعد أكتوبر 2000؛ إليكم بعض الأمثلة عن هذه المخطّطات المركّبة؟
في السابق كانت الحكومة تتعامل مع الجماهير العربيّة بتمييز مباشر فمثلا طالبت الحكومةُ الجماهيرَ العربيّة في بداية خمسينيّات القرن الماضي بدفع ضريبة الرأس
(מס גולגולת) بحجّة أنّها لا تخدم في الجيش، ولكنّ اقتراح "الخدمة المدنيّة" اليوم مركّب أكثر.
في السابق كانت تقام الدوائر العربيّة والتي كانت عبارة عن وكر للمخابرات، أما اليوم فتعكف الحكومة على تطبيق البند الأوّل من "لجنة لبيد" التي قامت بدفن التوصيات الايجابيّة للجنة أور والقاضي بإقامة "سلطة الأقليات"، والتي حوّلوا أسمها إلى "سلطة المساواة" وقد أعدّها "مجلس الأمن القومي"! وبدون مشاركة قيادة الجماهير العربيّة.
قبل أربعة سنوات تقدّم عضو الكنيست كلاينر اقتراح قانون يقضي بإلغاء رسميّة اللغة العربيّة، أمّا اليوم فتتم عمليّة إلغاء رسميّة اللغة العربيّة بشكلٍ مركّب وسلس أكثر عن طريق وضع "دستور بالموافقة" "يحمي حقوق الأقليّات"!
بحسب نظام التعليم فإن عنصر "الشاباك" يتدخّل في تعيين المدراء والمعلّمين العرب ولكّن توصيات "لجنة دوفرات" تقضي بتحويل عنصر "الشاباك" من التدخّل في تعيين المدراء والمعلّمين العرب إلى كل المدراء والمعلّمين العرب واليهود، ولكنّ هذا العنصر سيتعامل مع العرب بالأساس، دون أن يُتهم الجهاز بالتمييز ويعرّض نفسه للمساءلة السياسيّة والقانونيّة.
وهاكم مثلًا خامسًا: في السابق كانت الحكومة لا ترتدع من التضييق الاقتصادي العلني ضدّ الجماهير العربيّة وكانت تمارسه بطرقٍ شتى كبُنية وأذرع الحكم العسكري ووضع المخطّطات التي كُشفت ككيننغ وغيرها والتي لم تكشف، أمّا اليوم فيأتونا بخطّة تجويع مركّبه تحت أسم "فيسكونسين" والتي تدعي تعليم العاطلين عن العمل مهنة وإيجاد عمل لهم، بينما هي في الواقع ستحُول دون حصول العاطلين عن العمل على مخصّصات التأمين، ويعملون على تنفيذها في عاصمتي الجماهير العربيّة: الناصرة وأم الفحم ومنطقتها.
إذَا، نحن نواجه مخطّطات مركّبة وتتطلّب من جماهيرنا أجوبة مركّبة ووعيًا ويقظةً من أجل التصدّي لها ودرئها بنجاح.

الخدمة المدنيّة مخطّط جدّي دخل حيّز التنفيذ

منذ أكتوبر 2000 أقيمت عدّة جمعيّات تبحث في سُبُل فرض "الخدمة المدنيّة" على الشباب (صبايا وشبّان) العرب، أذكر منها عميندب- بت عمي"، "بت عمي- امونة"، "ألومة"، "شولميت" و"تكفا ليسرائيل" وقَدمت كل منها اقتراحات وضمَّ بعضُها شبابًا خادمين سرعان ما خاب أملهم من كذبة الهبات الشخصيّة فتركوا المؤسّسات!
وكذلك بلغ النشاط في هذا المضمار أوجهه في الكنيست، فقُدّمت أربعة اقتراحات قانون تقضي بفرض "الخدمة المدنيّة" على الشباب العرب، وقد قدمها: عمرام متسناع (عمل) بالاشتراك مع نعمي بلومنطال (ليكود) ومتان فلنائي (عمل) وإيلون شلغي (ليغود) وران كوهن (ميرتس)؛ أي من مختلف ألوان الطيف الصهيوني، ويَذكر موقع "تكفا ليسرائيل" أنّ 47 عضو كنيست يؤيّدون "الخدمة المدنيّة" بصيَغ مختلفة.
مع صدور تقرير لجنة "لبيد" ( اللجنة الوزارية التي قامت لدراسة تنفيذ لجنة أور!) والذي يتحدّث بجديّة عن مشروع "الخدمة المدنيّة" كخطوة أولى نحو التجنيد بالجيش، ومع صدور ملخّص تقرير لجنة دافيد عبري (قائد سلاح الجو ومدير وزارة "الأمن" سابقًا) ومصادقة وزير "الأمن" على التوصيات لم تبقَ إلا مصادقة رئيس الوزراء شارون حتى يتكثّف العمل –الذي بدأ فعليَا- لتنفيذ التوصيات.

الجبهة نجحت في خلق جو عام رافض للمخطّط

الجبهة لم تنتظر مصادقة رئيس الوزراء وحكومته والسعي لتنفيذ التوصيات من أجل أن تتحرّك، وإنّما باشرت بحملة تثقيفيّة جماهيريّة واسعة فعقدت اجتماعًا قطريًا في كفر ياسيف – أبو سنان، وعقدت "طاولة مستديرة" في مكتب الجبهة القطري شارك فيها لفيف من المثقفين والمختصّين، وأصدرت نشرة خاصّة ضدّ "الخدمة المدنيّة" وبنت موقعًا في الانترنت، وعقدت العديد من الندوات في مختلف القرى والمدن العربيّة شرحت فيها خطورة المخطّط، وقد قامت بهذه الأعمال لإدراكها أنّ المخطّط مركّب تجب توعية الشباب لخطورته، كما أرادت تعبئة الشباب ليكن موقفهم رافضًا وليس انتظار مصادقة الحكومة والبدء بمحاولة تنفيذ التوصيات، كما أنّنا ندرك أن السلطات تتابع ردود فعل الجماهير العربيّة ولذا فنحن نسعى من خلال ردّة فعلنا القويّة ثنْي الحكومة عن المصادقة على التوصيات، واعتقد أن جزءً كبيرًا من أهدافنا قد تحقّقت.

جوانب من الركائز التي تجعلنا نرفض مخطّط "الخدمة المدنيّة"

أنا لن أتطرّق لمفهوم المساواة والمواطنة وحقوق "أقليّة الوطن" والحجّة الممجوجة "ربط الحقوق بما يسمّى بالواجبات" لأنّ الدكتور أمل جمّال قدّم مداخلة وافية حول ذلك:
أريد أن أتركّز في بضع الجوانب:

عقليّة المؤسّسة الحاكمة تمجّد العسكرة دون غيرها

يربّي المجتمع الإسرائيلي على عقليّة العسكرة التي تميّز حتى بين مجالات العسكرة ذاتها، فالفرق كبير جدًا بين الطيّار والعامل في مطبخ الجيش أو سائق الشاحنة العسكريّة ( أي تميّز بين اليهودي واليهودي)، ولعلّ أبرز المقولات تعبيرًا عن هذا الموقف تلك صيحة عيزر فايتسمان المنتشية "الجيّدون للطيران" "הטובים לטייס" (وأضيف إليها في إحدى جوقات الجيش المركزيّة "والجيّدات للطيّارين" "והטובות לטייסים" بمزيج معبّر جدًا عن العلاقة بين العقلية العسكريّة وعقليّة أسياد الجواري..) هذا التصنيف والتمييز يحصل داخل الجيش الواحد، فكيف يكون التصنيف بين المقاتلين (اليهود) الذين "يضحّون بأرواحهم من أجل الوطن" وبين العرب الذين ينظّفون المراحيض (ربّما) ضمن "الخدمة المدنيّة"؟! أي أن "الخدمة المدنيّة" هي تكريس للعقليّة الفوقيّة والاستعلاء والتمييز والتعامل معنا كمواطنين درجة ثانية (ولعلّ أبرز تعبير لذلك ما نفثه مشجعو فريق بيتار يروشليم ضد فريق أبناء سخنين في لعبة كرة القدم بينها يوم 07.01.2005 حيث أنشدو "פאטמה תנקי שירותים" "فاطمة، نظّفي المراحيض"، كما أنّ تطبيق "الخدمة المدنيّة" يحمل أبعادًا رمزيّة لنظريّة المؤسّسة الفوقيّة على لسان المستشار لوبراني "سقاة الماء والحطابين"

"الخدمة المدنيّة" هي عبارة عن توزيع مهام حسب السلّم العسكري.

بحسب "توصيات عبري" يخدم اليهودي في الجيش، وبدلا من إضاعة وقت وطاقات بعض اليهود في "الخدمة المدنيّة" والتي هي حتى الآن جزء من الخدمة الإلزاميّة (فكثير من الجنود يخدمون في الداخل) فيعمل في هذه الوظيفة العرب (والذين لا يدعون للجيش لأسباب سياسيّة، فهم ليسوا هدفًا مؤسساتيًا لولوج بوتقة الصهر البن غوريونيّة وسيرورة بناء الأمّة nation building ولأسباب أمنيّة فالمؤسّسة لا تثق بنا ولا تريد أن نتعلّم أصول الحرب واستعمال السلاح תורת הנשק ותורת הלחימה ) إذًا فهي تقسيم وظائف، وتاليًا، كلا الخدمتين – عمليا- جزءًا من الخدمة في الجيش الإسرائيلي.
ومن الجدير ذكره أنّ المؤسّسة الأمنيّة قد أقرّت ضمن دراستها لكيفيّة إخلاء المستوطنات أن يعمل متطوعو الحرس المدني والشرطة الجماهيريّة والخدمة المدنيّة في الجبهة الداخليّة لتتمكّن الشرطة من إخلاء المستوطنات! وتعود فكرة الدمج بين العمل "المدني" والعسكري في الفكر الصهيوني إلى سنوات تأسيس "البلماخ" وهو التيار العسكري المركزي الذي احتل القدس والنقب واللد والرملة وغيرهم وكان من عناصره البارزين طبنكين ويتسحاق سديه ورابين ويغئال ألون وغيرهم.. فهذا الجسم كان يشمل العمل الزراعي ضمن المجهود العسكري خصوصًا بعد حدوث توتّر بالعلاقات مع بريطانيا (سنة 1943) مما اضطرّ عناصر "البلماخ" للاعتماد على أنفسهم، وأشير هنا لبعض الأمثلة العينيّة لذلك، فمثلا كانت اللازمة في نشيد "البلماخ" تقول:
נתיב לנשר בשמיים
שביל לפרא בין הרים
أمّا شعارهم فكان سيفًا يخترق سنبلتين، إشارة للمزج بين العمل العسكري والمدني، وكذلك الصورة المركزيّة والمعلّقة حتى اليوم على جدران متحف "البلماخ" في شارع "لبانون" في تل – أبيب وهي عبارة عن يهودي طلائعي يقبض على المعوَل بيده اليمنى ويحمل البندقيّة على كتفه الأيسر.. وهو مشهد صهيوني كلاسيكي لليهودي القوي نقيض "اليهودي الضعيف" في أوروبا اللاساميّة.
ولا مجال هنا للخوض في المرجعيات التوراتيّة حول تبادل الأدوار بين الخدمتين المدنيّة والعسكريّة، ويكفي أن أشير لإحدى التحليلات التوراتيّة للرمبام (רמב"ם) حيث قال:
"בעיר שאין בה שומרים
אז תלמידי חכמים מצווים לשמור".
وأذكر هنا أن قانون الخدمة العسكرية الأوّل (1949) شمل العمل الزراعي كجزء من العمل العسكري.. كتعبير عن هذا الموقف وهذه النفسيّة.
ولتقسيم الوظائف هذا توجد أمثلة عالميّة أيضًا أذكر منها ما قامت به أمريكا، وبواسطة "الخدمة المدنيّة"، من تجنيد قوّة عمل مدنيّة من أجل أعمال حيويّة للجهد العسكري، ونجد تعبيرًا صارخًا لهذا التوجّه في اقتراح قانون "الخدمة المدنيّة" الذي قدّمته مجموعة أعضاء كنيست من اليسار الصهيوني وعلى رأسهم ران كوهن (ياحد) وجاء فيه:" تخضع "الخدمة المدنيّة" لاعتبارات جهاز الأمن ولاحتياجات الجيش"
ثم "قطعت توصيات عبري قول كل خطيب" فعيّنت قائد سلاح الجو ومدير عام وزارة الأمن سابقًا الجنرال دافيد عبري على رأس لجنة التوصيات! التي قدّمت إلى وزير "الأمن"! وليس الداخليّة أو الرفاه أو التعليم أو الصحّة! ثمّ عُين "مجلس الأمن القومي" جسمًا متابعًا لسيْر الخدمة، وكذلك أقرّ حصول "المتطوّع" على قسائم دخل ثم شهادة من وزارة "الأمن"! وهذا من شأنه كسر الحاجز النفسي بين الجماهير العربيّة ومفهوم "الأمن" ومؤسّساته مما يمهّد الطريق لتحقيق الهدف الثاني من تقرير "لجنة لبيد" وهو أن تكون "الخدمة المدنيّة" بمثابة خطوة أولى نحو التجنيد في الجيش.
الالتزام في أطر هرميّة تراتبيّة وإلزاميّة
ثمّة إشكاليّة حقيقيّة وعميقة في العمل ضمن أطر تستوجب الالتزام في دول قمعيّة، فليس صدفة أن يرى الفكر الماركسي بالشرطة في الدول الرأسماليّة قبضة الحكومة ضدّ العمّال ونقابات العمّال، وهل نتصرّف كأحرار، فكرًا ووعيًا، إذا خدمنا في هذه الأطر الإلزاميّة؟! وقد بيّن الفيلسوف والمؤرّخ ميشيل فوكو أنّ مفهوم القوّة الذي يحكم مؤسّسة ما يتحكّم بوعي أفرادها أيضًا، ومثال جيّد على النفسيّة المقموعة في هذه الأطر هي الحقيقة أنّ
ضمن مئات رافضي الخدمة أو منفذي الأوامر في الجيش الإسرائيلي قد لا تجد عربيًا رافضًا!! وهو قد يرفض فكرة الخدمة في الجيش قبل دخوله، ولكن بعد ذلك تراه منصاعًا تمامًا وذلك بخلاف بعض اليهود! فلم نسمع عن عربي خدم في الجيش رفض تنفيذ أمر من منطلق ضميري! وقد نتساءل، لماذا لم يستقل أي شرطي عربي من الشرطة في أحداث أكتوبر 2000 وهي (وليس الجيش) قتلت الضحايا الـ13 العرب؟! الجواب السريع لأنّهم مقموعون، وهذا السبب يتداخل مع نفسيّة إثبات الانتماء للمجموعة قسرًا وهو الذي يجعل العرب والشرقيين أكثر قسوة ضد الفلسطينيين من الاشكناز في كثير من الحالات، ومثال أدبي على ذلك ما أورده إميل حبيبي في "المتشائل" أنّه كان يعرف بيت العربي من اليهودي في شارع الجبل الحيفاوي حسب العَلَم، فالبيت المعلّق عليه علم إسرائيل هو يهودي والبيت المعلّق عليه علمان هو عربي! وقد أثبت البحث الأكاديمي حول التمييز في المحاكم بين العرب واليهود الذي أجراه البروفيسوران فيشمن وريطنر من جامعة حيفا هو ان أكبر تمييز يلحق بالمتهم العربي عندما يكون القاضي عربيًا!

البطالة

لا يوجد للجماهير العربيّة أي منازع في سلّم البطالة، فنحن نتبوأ الأماكن الـ24 بدون استثناء! و"الخدمة المدنيّة" لا تزج بالشباب في أعمال السخرة وحسب، وإنّما تقذف بالذين يعملون إلى دائرة البطالة! فإذا كان هناك من يعمل في السخرة فلماذا يدفع صاحب المؤسّسة أجرًا للذين يعملون! وهذا ما حدث بالضبط في "غفعات أولغا" حيث أثبت بحثًا أكاديميًا نُشر في "هآرتس" في شهر كانون الثاني 2005 أن تطبيق "الخدمة المدنيّة" ضاعف البطالة في "غفعات أولغا" بشكلٍ جدي.
أين نخدم؟
أين نخدم؟ هل في قرانا المعدومة من المؤسّسات المدنيّة والحكوميّة ومن المرافق والخدمات العامّة؟ أم في المجمعات اليهوديّة العامرة بهذه المنشآت والمؤسّسات؟ أين سيخدم 2000 شابٍ من مدينة سخنين مثلا؟ هل في كرميئيل التي قرّر بيرس أن يبني جامعة فيها بدلا من الناصرة! (وهنا أريد أعطي ملاحظة أن برنامج جبهة الناصرة الديمقراطيّة المنشور في الاتحاد في 1.12.75 قد طالب بإقامة جامعة في الجليل، ولم يتوقّف هذا المطلب حتى يومنا هذا!) أم يخدم في منطقة "تيداريون" حيث نُقلت إليها مؤسّسة "التأمين الوطني" هذا الشهر! أين يخدم آلاف الشباب من الناصرة بعد أن نقلوا المحاكم والطابو والعديد من المؤسسات الحكوميّة من الناصرة إلى "نتسيرت عيليت" بحسب سياسة رسميّة منهجيّة لتهويد الجليل والتضييق على العرب.
كل هذه الأسباب، إضافة للتي وضعها د. أمل جمّال تجعل من واجب هذا الإطار الذي تصدّى في سنة 1954 لضريبة الرأس (كبديل عن الخدمة العسكريّة) أن يتصدّى وينجح في المعركة لإلغاء مخطّط "الخدمة المدنيّة" من أجل العيش بكرامة وانتزاع المساواة الحقيقيّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق