الثلاثاء، 14 يونيو 2011

النضال العربي اليهودي.. الآن بالذات، ودائمًا


في ذكرى الخامس من حزيران، وقبيْل تنفيذ ''خطّة الانفصال'':
النضال العربي اليهودي.. الآن بالذات، ودائمًا(1)



السبت 28/5/2005



*"اليسار" الذي طالب بـ "أغلبيّة يهوديّة" وبتنحية الجماهير العربيّة في القرارات المصيرية، يطالب ذاته اليوم بالتنحّي جانبًا من أجل إنجاح اليمين بتمرير "خطّة الانفصال"!*"العمل" و "ياحد": רק הליכוד יכול!

"اليمين يستطيع أن يوقّع معاهدة سلام مدعومًا بوحدة يهوديّة قوميّة من الحائط إلى الحائط، كما يستطيع اليسار أن يذهب إلى الحرب، ترافقه الوحدة ذاتها" - هذه كانت إحدى المقولات المركزيّة التي راجت إبّان حفل توقيع معاهدات "كامب ديفيد" في آذار 1979، وكان من الصعب على قيادات وقواعد حزب "المعراخ" (العمل) الأشكنازيّة أن تقبل بهذه المقولة التي لاقت رواجًا لدى شرائح شعبيّة واسعة، بل أصرّت على أنّ الحظ
قد حالف "حزب الرّعاع" (الليكود)، فجاءت "مفاجأة" السادات في عهده، ولكنّ القاعدة بقيت عينها، أنّهم، وهم وحدهم، يستطيعون قيادة الدولة في الحرب والسلم. حزب "العمل" كسر اليوم هذه المعادلة، وبأيديه.
إنّ حزب "العمل" وكذلك "ياحد" بقيادة يوسي بيلين لا يعطيان حكومة شارون شبكة أمان تلو الأخرى وحسب، وإنّما يدافعون عن خطّة شارون بدون إبداء أدنى تحفّظ، وبموقف أضحى مفاده العلني أنّ شارون، وشارون تحديدًا، بصفته "البلدوزر" و"أب المستوطنات" هو القادر على إخلائها، وبذلك تعود المقولة الواردة آنفًا لتكتسب بُعدًا إجماعيًا، ولتكرّس حكم اليمين لدورات إضافيّة؛ وهذا "اليسار" الذي تغنّى "بوحدة الشعب" وبـ "أغلبيّة يهوديّة"، وأراد الجماهير العربيّة متنحيّة في المفاصل الأساسيّة، يطالب اليوم ذاته بالتنحي من أجل إفساح المجال لليمين لتمرير "خطّة الانفصال"؛ فهل هو أضحى – كما أراد للجماهير العربيّة ان تكون-
غير شرعي في القضايا المفصليّة؟! وحسبه القيام بدور الاحتياط الداعم، (كما أراد للجماهير العربيّة – مرّة أخرى) وكفى الله "اليسار" شرّ النضال وطرح البدائل؟، فهل أصبح مقتنعًا – بينه وبين ذاته على الأقل - بشعار الليكود المركزي (רק הליכוד יכול)?

*ملك إسرائيل أريئل شارون عارٍ!

أثبتت التجارب أن الجماهير العربيّة والقوى الديمقراطيّة الحقيقيّة اليهوديّة بقيادة الجبهة والحزب الشيوعي هي أول من يخرج إلى الشوارع، ويطلق الصرخة الشجاعة الأولى "ولكنّ الملك عارٍ"، هذا ما أكدته حرب حزيران الأولى 1967 والثانية 1982 وغيرهما حيث كنّا الوحيدين الذين عارضوا الحربيْن، ولم تمضِ بضع سنين من الطّرْق حتى أخترق صوتُنا جدران الخزّان القومي، وعُزلت الأصوات الداعية إلى البقاء في لبنان، وتراجعت في حالة فلسطين.
واليوم، إزاء المخاطر الجِديّة المرافقة لـ "خطّة الانفصال" كممارسة الموقف الصهيوني الكلاسيكي "أرض أكثر وعرب أقلّ" وتكثيف المستوطنات في الضفّة، وتصوير شارون ديغولَ جديدًا؛ وتكريس يهوديّة الدولة بالمفهوم الفظ، فدولة إسرائيل التي كانت تتوسّل من أجل الاعتراف بها وجوديًا، تطالب اليوم بالاعتراف بها كدولة يهوديّة، وهذا ما "حصلت عليه فلسطينيًا" في قمّة العقبة (حزيران 2003) وأمريكيًا من خلال رسالة الضمانات الشهيرة الصادرة في 14.4.2004، وكذلك "التعويض الأيديولوجي للمستوطنين" على لسان يئير شيلغ من المعهد الإسرائيلي للديمقراطيّة والقاضي بجعل دولة إسرائيل يهوديّةً أكثر ، وتهويد الجليل والنقب و.. مخطّط تهجير الأهل في المثلّث الذي وافق عليه شارون مبدئيًا وضمنًا بقوله: "المهم بدون استخدام القوّة"! هذا عدا المخطّطات الخطيرة جدًا بمجملها كـ "الخدمة المدنيّة" وويسكونسين والدستور و"راشوت لميعوطيم" وبأجزاء واسعة منها كدوفرات، والتي يسْهل تمريرها تحت كنف "خطّة الانفصال".
ومن المفارقة أنّ لا أحدَ يساوي اليوم حتى بين اللصوص والضحايا، فاللصوص المستوطنون يستحقون التعويض! بينما الضحايا من إقرث وبرعم والغابسيّة (المتميّزون عن سائر المهجرين واللاجئين بحصولهم على قرارات حكم من المحكمة العليا في العام 1951 أكسبتهم شرعيّة إسرائيليّة رسميّة) لا يسمح لهم حتى بدخول مفاوضات جِديّة بشأن حقوقهم، وكذلك الفرق بين اللصوص والضحايا في إجراء الدولة مفاوضات رسميّة مع ممثلي المستوطنين بينما تتذبذب بشأن مفاوضة ممثلي الأقليّة القوميّة، كما وتَقْبل اقتراح الحكم الذاتي للمستوطنين في "أشكلون" بينما تحرّض على نضال الجماهير العربيّة من أجل المساواة داخل الدولة وفي أحياء المدن المختلطة، عداك عن الرأفة والتفهّم وملاطفة المستوطنين الذين يغلقون الشوارع وحملهم من أيديهم وأرجلهم! وهي الحجّة ذاتها (إغلاق شوارع ليس بحجم أيّالون وشارع رقم 1) التي حصدت فيها الحكومة 13 ضحيّة من العرب في أكتوبر 2000!
هذه القضايا كلّها تجعل "خطّة الانفصال" تكثّف من ظلال السياسة الحكومة على مواطنة وشرعيّة المواطنين العرب، الأمر الذي شخّصه وبحق، في الأسبوع الماضي، قاضي محكمة العدل العليا أهارون باراك أنّه إحد القضايا المصيريّة جدًا التي ستضطّر الدولة إلى التعامل معها بجِديّة والبث فيها.

*صوتنا المتميّز.. الآن بالذات، ودائمًا.

لأننا نتعامل مع مواطنتنا بشكل جِدّي واستراتيجي ونعتبرها شكلا أساسيًا من أشكال البقاء، وكما نرى بأنفسنا شرعيين (ونُص!) في التأثير على القضايا المصيريّة، ولأنّنا نعتقد أن النضال من أجل السلام هو أيضًا نضالنا من أجل المساواة فـ "مأساتي التي أحيا نصيبي من مآسيكم"، ولأنّنا لا نريد لـ "خطّة الانفصال" وإخلاء مستوطنات غزّة أن تكون آخر الخطوات، وإنّما أوّلها، فإذا أخفضنا رؤوسنا هذه المرّة لتمر عاصفة الانفصال (لنترك الممارسة لليهود أو لليمين كما يريد "اليسار"!)
فكيف سنرفع رؤوسنا في مواجهة أعاصير وشلالات الانعطافات الأكبر كإخلاء مستوطنات الضفّة وقضايا القدس والحدود واللاجئين؟! ولأنّنا ندرك أن التعامل الجِدّي مع مواطنتنا وشرعيّتنا في التأثير يجب أن نفرضه فرضًا.. لهذا كلّه يتوجّب علينا تحديد مهمّتنا الأساسيّة التي تتمحور حول ما هو صحيح دائمًا، ولكن في الأشهر الثلاثة القادمة بالذات، وهي النضال الجماهيري من أجل طرح موقفنا المتميّز من قضيّة "خطّة الانفصال"، هذا الموقف الذي يفضح استغلال شارون للخطّة كتورية لتكثيف المستوطنات وتمرير المخطّطات الأخرى، واستغلال تحالف الشر الأقوى من أي وقت مضى مع أمريكا، ووهْن العالم العربي بشكل لم يسبق له مثيل، ووضع القيادة الفلسطينيّة في مرحلة ما بعد موحِّدها ورمزها ياسر عرفات، بالإضافة لتواطؤ شارون مع تصوير إخلاء المستوطنات كـ "صدمة قوميّة" لكي تخدم كل أهدافه لاحقًا..
في هذا الوقت بالذات يجب إعادة الاعتبار لصوتنا المتميّز عن "اليسار" الباهت، للنضال الشعبي العربي اليهودي، الذي من المهم أن يمارَس في التجمّعات العربيّة كجلّ فعّاليّات الجبهة، وأهم من ذلك في المناطق المحتلّة كما تمارس "تعايش" جلّ فعّاليّاتها، ولكن الأهم من هذا وذاك أن نناضل في تل – أبيب والمدن اليهوديّة والمختلطة الكبرى، نضالا يجمع الجماهير العربيّة بالقوى الديمقراطيّة اليهوديّة الحقيقيّة الذي هو الضمانة الوحيدة لقيادة تغيير حقيقي في الدولة، وهذا النضال المشترك والذي يبتغي التغيير عليه الاعتماد على حنكة الموازنة بين ثوابت الموقف من جهة والأسلوب الصحيح الهادف إلى إقناع أكبر الشرائح من الجمهوريْن اليهودي والعربي من جهة أخرى.
إنّ مهمتنا الرئيسيّة اليوم هي الخروج إلى الشوارع وإسماع الموقف الصحيح بعد أن "نام اليسار الصهيوني في إسته" فخلا الشارع لليمين المتطرّف من جماعة شارون المؤيّدين ل"خطّة الانفصال" واليمين الأكثر تطرفًا المعارض للخطّة من المستوطنين وغلاة أرض إسرائيل الكاملة؛ نخرج إلى الشارع لنمارس مواطنتنا وشرعيّتنا والتأكيد على أن قرار السلم والحرب ومختلف القرارات بحاجة إلى واحد فوق الـ50% من المواطنين، وليس إلى "وحدة قوميّة" لا تفيد إلا اليمين في نهاية المطاف؛ أي أن وزن جماهيرنا العربية سيزداد نوعيًا إذا فرضنا المواطنة قاعدة وليس "القومية"؛ وبذلك نعود إلى المعادلة الحقيقيّة في مواجهة المعادلة الأولى الفاتحة للمقال، فنؤكّد أنّ قرار الحرب في إسرائيل يتجاوز الجماهير العربيّة، ولكن قرار السلام الحقيقي لا يمكن أن يمرّ دون الجماهير العربيّة.
"خطّة الانفصال" لن تكون أصعب القرارات الإسرائيليّة، فإذا لم نتشبّث بحقّنا وقدرتنا على التأثير في الأشهر الثلاثة القادمة، ونخرج إلى الشوارع ونرفع صوتنا المتميّز فسيكون من الأصعب علينا التأثير لاحقًا، وستعزَّز بذلك مكانتنا كـ "مواطنين" غير شرعيين.
دورنا صعبٌ ولكنّه هام لا غنى عنه، ولذا فهو معدّ لنا، ونحن قادرون.

(يتبع)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق