الأربعاء، 15 يونيو 2011

اتفاقات واختلافات مع الرفيقين عصام مخّول أساسًا ورجا زعاترة جزئيًا من الارتهان للماضي إلى الرهان على المستقبل


الجمعة 19/1/2007

*مقدّمة 

لقد شُرّفت بالمشاركة في صياغة الأوراق الثلاث التي تبحث في مكانة ومستقبل العرب الفلسطينيين في إسرائيل، وهي ورقة "التصوّر المستقبلي" و"وثيقة حيفا" و"تحديد المكانة القانونية المستقبلية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل". وفكرة المبادرات الجماعية ليست غريبة عن تجربة شعبنا التي أنجبت وثيقة 6 حزيران 1980 التي بدأت بالجملة الجماعيّة التالية: "نحن الموقعين أدناه، ممثلي أوساط الرأي العام العربي في إسرائيل" (كتاب المؤتمر المحظور).
وهي وثائق تتميّز بمحاولات جماعيّة لإيجاد قواسم مشتركة بين مثقفين وناشطين من مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي العربي وتقريب وجهات النظر بواسطة الإقناع والإجماع، وإن لم يتحقّق ذلك فيُترك المختلَف عليه، وهذه مَهمة وطنية من الدرجة الأولى حيث أنها تنحو لبلورة موقف جماعي موحّد للأقلية القومية المضطَهدة، إضافة إلى سيرورة الأبحاث والنقاشات التي أثْرت جميع المشاركين ممّا سينعكس إيجابًا على مستوى صياغة المواقف المستقبلية للجماهير العربيّة.
لقد أحدثت وثيقة "التصوّر المستقبلي" حِراكًا سياسيًا هامًا في إسرائيل ونقاشًا في مختلف الصحف العبرية والعربيّة بين موافقين ورافضين، كليًا أو جزئيًا. أمّا الوثيقتان الأخريان ("وثيقة حيفا" و" وثيقة عدالة") فما زالتا قيد المناقشات، وعند صدورهما، خلال الشهر الأخير، سأجد من المناسب مناقشة الأوراق الثلاث بتعمّق، فرغم كوني عضوًا مشاركًا في صياغتهم، إلا أنّ لي بعض الاعتراضات على مسائل وردت في الأوراق، وهذا هو احد أثمان المشاركة في صياغة جماعيّة لمشاركين منتمين لأكثر من حزب ورؤية سياسيّة اجتماعيّة.
من بين ردود الفعل المختلفة أثار اهتمامي بشكلٍ خاص نقاش الرفيق عصام مخّول السكرتير العام للحزب الشيوعي الإسرائيلي، والرفيق رجا زعاترة (الاتحاد 29.12.2006، 5.01.2007، 12.01.2007) لسببين: أولا؛ لأن التطوّر الفكري والسياسي في الحزب الشيوعي والجبهة أمرٌ يهمّني جدًا بطابع الأمر. ثانيًا؛ لأنّني أتفق معهما في معظم النقاط واختلف كليًا أو جزئيًا في بعضها الآخر، وهذا الاختلاف الشرعي وكذلك النقاش الذي يتميّز بهما الحزب الشيوعي والجبهة مهمّان إلى أقصى الحدود وقد تكرّرا عدّة مرّات في الآونة الأخيرة، وأذكر من هذه النقاشات مقالات شارك بها الرفاق محمّد نفّاع ونمر مرقس حول مكانة ودور المفتي أمين الحسيني، ومحمد نفّاع وهشام نفّاع حول اختلاف غير جوهري في الوضع العراقي، وبرهوم جرايسي وآخرون حول تقويم صدّام حسين وكيفيّة مشاركة الحزب الشيوعي ضمن متغيّرات العراق، وهشام نفّاع وكاتب هذه السطور حول العمل المشترك بيننا وبين "اليسار" الصهيوني (أو يوسي بيلين تحديدًا) ضد الليبرمانية، وكلّها نقاشات تميّزت بالطابع الرفاقي المسؤول وهذا ما أرجوه من نقاشي اليوم، وحسبي في هذا موقف الحزب الشيوعي من الجبهة بأنّ وجودها يجب أن لا يمنع النقاش والاختلاف، وكذلك فالنقاش والاختلاف يجب أن لا يمنعا وجود الجبهة (المؤتمر الـ18 للحزب الشيوعي).
هذه النقاشات الرفاقية تكتسب أهميّة خاصّة قبيل انعقاد مؤتمري الجبهة والحزب الشيوعي، نستدعيها من كل الرفاق لأخذ دورهم فيها، والتي يجب أن يوجّهها الموقف المبدئي والمسؤول من اجل الأفضل للحزب الشيوعي والجبهة.

*أين أنت يا رشيد الحاج إبراهيم؟*


من خلال قراءتي لمقال الرفيق عصام مخّول وجدتُ العديد من النقاط التي تستوجب النقاش وتردّدت بيني وبين نفسي في كتابة مقال يطمح إلى التصويب من وجهة نظري، حتى حسمت أمري بعد قراءة موقف الرفيق مخّول من "هجرة"! و"رحيل"! البرجوازيّة العربيّة في خضمّ نكبة شعبنا العربي الفلسطيني.
يقول الرفيق مخّول: "وكما يبدو، فإنّه كما في كلّ الحروب، كانت حرب 1948 أيضًا، لقد أبقت في المؤخّرة الأقسام المستضعفة من المجتمع، عديمي الحيلة، الأكثر فقرًا. ليس الشرائح البرجوازية وبقايا الإقطاع، وإنّما الفلاحين والعمّال البسطاء، وصغار التجّار. ولم يكن مجرّد صدفة، انه في هذه الحرب أيضًا، كانت البرجوازية والقيادات التقليديّة والإقطاعيّة، هي أوّل من هاجر ومن رحل، تاركة من ورائها، بقيّة جريحة من شعبٍ منكوب، وحزبًا شيوعيًا ملتصقًا بهذه الجماهير مثابرًا على معركته لمدّ هذه الجماهير بوسائل الصمود في الكفاح الوطني والطبقي الشامل" (إلى هنا أقوال الرفيق مخّول).
البرجوازية الفلسطينية والقيادات التقليدية والإقطاعيّة لم ترحل وتهاجر ( في موسم الهجرة إلى الشمال) وتترك وراءها بقيّة جريحة، وإنما هجّرتها الحركة الصهيونية وعصاباتها (بغطاء إمبريالي وتواطؤ رجعي عربي) قسرًا عن وطنها وعن ممتلكاتها المصادرة، من البيوت العربيّة العريقة الثكلى في وادي الصليب وغيره ألف وادي صليب، فـ"البيوت تموت إذا غاب سكّانها".
وعندما يكرّر الرفيق مخّول صفة "القيادات الإقطاعيّة" وليس الرأسمالية تحضرني مقولة "ليس لرأس المال وطن"! فهذه القيادة الإقطاعيّة ملكت عقارات ثابتة أساسًا، أي أنّها لم تهرب وراء مصالحها وإنّما هُجّرت قسرًا عن أملاكها ومصالحها لتَبقى فريسة للصوصيّة دولة إسرائيل، وهذه البرجوازية والقيادات التقليدية والإقطاعية هي حليفة العمّال والفلاحين في المعركة ضدّ الاستعمار والصهيونيّة ومن اجل استقلال فلسطين، هذا التعاون الذي حدث في سوريا ولبنان والعراق ولدى كل حركات التحرّر العالمي (فقط بعد التحرّر تنقسم هذه البرجوازية إلى قسمين: أحدهما يبقى تقدميًا والآخر يتحوّل إلى رجعي).
وهل يصحّ أن ننعت هذه الشريحة من اللاجئين بانتهازيّة البرجوازية، أليس منها برجوازية وطنيّة، وأيّ وطنيّة، وتقدميّة في سياقها، مثل أبناء حيفا ابراهيم الصيقلي وتوفيل بوتاجي العضوين النشيطين في المجلس الملّي الوطني الأرثوذكسي، المحامييْن الوطنيّيْن معين الماضي وحنّا عصفور، الطبيب عثمان الصغير ورشيد الحاج إبراهيم مؤسّس حزب الاستقلال وعضو المجلس البلدي، الذي ناجاه د. ماجد خمرة بلوعة صميميّة: "أين انت يا رشيد الحاج إبراهيم؟!" في كتابه "مارغاروش" الذي يهديه إلى كلّ من مسّته النكبة من قريبٍ أو بعيد.   
ثمّ من قال أن تسونامي النكبة الرهيبة التي حوّلت بروليتارية وبرجوازيّة شعبنا سواء بسواء إلى "أيدي فلسطين"، لم تقتلع شيوعيين أصايل من وطنهم، منهم أكثر القيادات مركزيّة مثل إميل توما وإميل حبيبي وجورج طوبي وحنّا نقّارة (وهؤلاء من حيفا فقط، ونجحوا بالعودة فيما بعد) وغيرهم الكثير من الشيوعيين الاصايل الذين لم يتمكّنوا من العودة كسكرتير عام عصبة التحرّر الوطني فؤاد نصّار، فلماذا يقطع الرفيق مخّول بسكّين حاد انتماءات ضحايا نكبة ومجازر نُفّذت على أيدي أعتى القوى الإمبريالية ضد شعب فلسطين، كلّه؟!
وأكثر من ذلك فالحركة الصهيونيّة أفرغت عن سبق إصرارٍ وتخطيط المدن الفلسطينية (يافا، حيفا، عكّا، اللد، الرملة..) من البرجوازيين، أي أنّ البرجوازية والفئات المدينيّة المتوسّطة كانت هدفًا محددًا في الخطّة الصهيونيّة، فهل تساوقت هذه البرجوازية بترك املاكها وأحلامها لـ"ترحل" و"تهاجر" إلى بؤس "الخيمة السوداء في الصحرا"!
موقف الرفيق مخّول في المقال متواتر في المحاولة لأن ينمذج الواقع ويوقعن النموذج في مسعى للوصول إلى معادلة أكّدها أكثر من مرّة في المقال وهو أنّ لكلّ أمّة ثقافتان قوميتان- بروليتارية وبرجوازيّة، وأممية- قومجيّة.(هذا صحيحٌ في حالات طبيعيّة، ويستدعي تحليلا مركبًا غير ميكانيكي لمكانة وشرائح الجماهير العربيّة في إسرائيل، سآتي عليه لاحقًا).

*أتّفق مع الرفيق عصام مخّول، لندافع كلّنا عن تاريخ الحزب!*

اتفق مع قول الرفيق عصام مخّول: "ومن حقّنا على باحثينا أن يقوموا بعمليّة المسح للفكر السياسي بين الجماهير العربيّة بأمانة، ليس (بالضرورة- أ.ع) دفاعًا عن الحزب الشيوعي وطريقه وفكره، وادبيّاته ومؤتمراته (وجميعها متوفّرة) وليس حنينًا إلى الماضي، بل دفاعًا عن الجماهير العربيّة ومستقبلها، وسلامة طريقها الكفاحي، ورفضًا للوقوع في شرك مؤسّسات البحث، وصناديق التمويل لإعادة كتابة تاريخ الجماهير العربيّة، أو محو معالمه".
وأضيف أن تاريخ الحزب الشيوعي المجبول بتفاني أصحاب البطاقات الحمراء وأصدقائهم هو تاريخ كل شرفاء شعبنا والقوى الدمقراطية اليهوديّة، ورموز الحزب التاريخية هي رموزها، فكما ان اطروحات الحزب أضحت أطروحات الشعب، كما يؤكّد الرفيق مخّول وبحقّ، ورموزه كذلك، فالتوفيقيْن (طوبي وزيّاد) والإميليْن (توما وحبيبي) وماير فلنر وغيرهم هم رموزنا وأبطالنا منهم من قضى نحبه على أسوار الدولة الفلسطينية ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا، وفي معرض السجالات عن تاريخ الحزب الشيوعي نجد أن الجبهوي ( غير الحزبيّ ) يدافع كالحزبيّ عن تاريخ الحزب، هكذا وجدتُ نفسي، وأنا الجبهوي غير الحزبي، أكرّس معظم كتابي الموجّه للشباب (الجبهة الآن بالذات) لتاريخ الحزب الشيوعي، والتصدّي لكلّ إصدار ينال من هذا التاريخ وإبراز كل خيرٍ في مسيرة بدت سيزيفيّة، وإذا بها "لأجمل ضفّة تمشي".
وبعد،
اتّفق مع الرفيق مخّول بذكر عامليْن عُقد في ظلّهما المؤتمر الـ18 عشر للحزب الشيوعي وهما انتصار جبهة الناصرة الدمقراطية وتأسيس الأطر الوحدويّة ومنها لجنة الدفاع عن الأراضي، وأضيف أنّ هذا المؤتمر البارز في أهميّته عُقد في ظل عدّة عوامل مهمّة أخرى وتفاعل معها بشكل خلاق، أذكر منها هزيمة حزيران 1967 التي أكدت أن "لا مهدي منتظر من العالم العربي" وأن النضال الأساسي هو هنا في الوطن (نظريّة التسييس "פוליטיזציה" بحسب سامي سموحة) كما أسفرت نتائج الحرب عن التلاقي مع باقي الفلسطينيين في الضفّة والقطاع (وهذه مفارقة جرح يُلأم بلؤم!). وللمفارقة، مرّة ثانية، تحسّن الوضع الاقتصادي للفلسطينيين بسبب موجة البناء الضخمة والاستثمارات الأجنبية التي اطمأنت لمصالحها في دولة إسرائيل "الأبديّة" بعد "الانتصار الكبير"، ومن هنا أخذ نمط البرتلة الذي ميّز توجّه الجماهير العربية بعد تهجيرها ومصادرة أراضيها من الزراعة إلى العمل المأجور بالتغيّر البطيء، فأخذت شريحة صغيرة منها تتجه نحو المقاولة والمهن الحرّة وغيرها باتجاه بدايات بلورة طبقة وسطى، هذه الطبقة ازدادت توقعاتها ومطالبها مع تحسّن وضعها (ماخلس، نظريّة التوقّعات المتزايدة)، ومن جهة أخرى انعكست هذه الحرب على المؤسسة الإسرائيلية فازدادت ثقتها بنفسها وفسحت حيزًا اكبر في الهامش الدمقراطي للعرب وخفّفت من قيود الحكم العسكري غير المباشر بعد إلغائه في الـ66 ممّا أتاح للجماهير العربيّة أن تؤكّد حقوقها أكثر وأعمق.
لا نستطيع التحدّث عن تلك المرحلة دون الإشارة إلى تحوّل عدد الجماهير العربيّة إلى ما يُقارب نصف مليون في السبعينيات، وليس مجرّد مئة وستين ألفًا "مقطّعين موصّلين" خلّفتهم ها هنا المأساة عنقًا تحت سكّين، كتعبير توفيق زيّاد.
المؤتمر الـ18 عُقد في ظلّ سطوع نجم منظّمة التحرير منذ معركة الكرامة تحديدًا (1968) وتأكيد الهوية الفلسطينية عربيًا وعالميًا في مرحلة الظهور في الامم المتّحدة ونيْل صفة مراقب (1974) وليس لأنه نجح في خلق شبه إجماع دولي حول ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية في الضفّة والقطاع وحسب، وإنّما، ايضًا خَلَق اعتزازًا بالانتماء الوطني الفلسطيني مقابل التعالي الإسرائيلي والعجز القومي العربي، وان اختلفا تناحريًا.  
إن انتصار جبهة الناصرة هو ليس أمرًا مؤثرًا في تاريخ الجماهير العربية وحسب، وإنما داخل الحزب الشيوعي أيضًا، فالحزب طوال سنوات الخمسينيات والستينيات عاش في حالة صراع داخلي خفي تفجّر وأدّى إلى الانقسام 1965، ولا شك ان جبهة الناصرة إلى جانب كل الشيوعيين الحقيقيين العرب واليهود أمثال ماير فلنر وولف ايرلخ وروت لوفيتش وعوزي بورشطاين وغيرهم قد أكدت على الحقوق القوميّة للعرب الفلسطينيين أكثر منها في مرحلة الصهيونييْن ميكونس وسنيه.
هنا، أؤكد على استعمال مصطلح "في ظل" لأن الحزب الشيوعي، وإن كان تأثّر جزئيًا، كان أثبت من التغيّرات المنطقيّة والمحليّة كصاحب أيديولوجية متماسكة، ولذا فتأثيرها كان أكبر على الجماهير العربيّة منها على الحزب الذي قرأ التطوّرات جيّدًا وقاد دورًا حاسمًا في بناء الأطر الوحدوية الكفاحية وصناعة يوم الأرض الخالد، المَعلم الأبرز في تاريخ الجماهير العربيّة، وبهذا كلّه أصبحت أطروحات الحزب أطروحات الشعب كما يؤكّد الرفيق عصام منذ سنوات ليكرّس هذه المقولة الصحيحة والمهمّة، هذا الموقف يتعارض مع محاججة الرفيق رجا زعاترة حول توجّه كتاب "جيل منتصب القامة" فيقول الرفيق زعاترة: "ولكن الانزلاق إلى تسطيحات "الجيل المنتصب" وما إلى ذلك مرفوض ومعيب وينمّ عن جهل بمسيرة عشرات السنين من الكفاح والنضال والتضحيات خاصّة في فترة الحكم العسكري البغيضة". والحقيقة أنّ د. خولة ابو بكر ود. داني رابينوفيتش مؤلفا كتاب "جيل منتصب القامة" قد أصابا في التشخيص ولم يقصدا دور الحزب الشيوعي وإنما شخَّصا بشكل صحيح وضعيّة الجيل الذي عانى نفسيّة النكبة، الجيل الذي رفع شعار "يعيش بن غوريون، يسقط توفيق طوبي" في مجدل عسقلان، والذي كان يصرخ امامه توفيق زيّاد "البوليس زيّ الكلب الجعيري، إذا بتهرب منه بلحقك" في محاولة لكسر سطوة السلطة ورفع المعنوية والثقة بالنفس، وإن كنت اعتقد ان أبحاثًا أخرى ككتاب د. خليل ريناوي "العرب في إسرائيل، جدول أعمال مشوّه" قد أصاب أكثر حين صوّر جيل النكبة بجيل فلسطينيّ ذوّت الاحتلال وحاول الحفاظ على كرامته اليوميّة في الظرف الناشئ، واختلافي الأساسي مع كتاب "جيل منتصب القامة" هو حول هُويّة الجيل الحالي الذي أرى انه قد يكون "منتصب القامة" لأن شرائح عريضة منه تتصرّف كإسرائيليّة بالمفهوم الاستهلاكي وبعقليّة: "מגיע לי" و"תסתכל לי בגובה עיניים" كإسرائيليين تحديدًا، يحق لهم ما يحق للاسرائيليين كلّهم، وهذه النظرة ليست خطيرة بسبب تهميش البُعد القومي والوطني وحسب، وإنما لأنّها ستُبقي "العربي الإسرائيلي" في الهامشين: الأوّل، الإسرائيلي الذي لا يريد العربي، والثاني الفلسطيني الذي لا يريد الإسرائيلي.

*شعار المساواة القوميّة ليس من انتاج مرحلة يوم الأرض*

يقول الرفيق رجا زعاترة في مقاله الهام عن "التصوّر المستقبلي": "لقد انتجت مرحلة يوم الأرض الاستثنائية معادلات جدلية ونصوصًا مؤسّسة لا يمكن تجاهلها: المساواة القوميّة والمدنيّة، الحقوق القوميّة واليوميّة، رفض صيغة "الدولة اليهوديّة"....".
هذا الطرح مجافٍ للحقيقة، فالحزب الشيوعي أكّد منذ سنة 1948 ضرورة الاعتراف بالجماهير العربيّة كأقلية قومية ومساواتها القومية والمدنية في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الاتحاد 2.11.1948) وقد أكد في المؤتمر الثاني عشر المنعقد في سنة 1952 على المساواة القومية في كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقومية، وهذا الموقف تواتر في مؤتمرات الحزب المختلفة ما قبل يوم الأرض، ومن الجدير تأكيده ان شعار "المساواة القومية" يختلف عن شعار "الحقوق القوميّة"، فالحقوق قد تكون جزئيّة، أو انتقائية تريد الحق في مكانة اللغة وتستغني عن الحقّ في الحكم الذاتي بالرغم من انّه حقٌ لكلّ مجموعة قوميّة، بينما المساواة، وهي قيمة بحدّ ذاتها، فتعني المساواة القومية بين شعبين لا فضل لأحدهما على الآخر في اي مجال.
وتجدر الإشارة هُنا إلى أن الحزب الشيوعي قد أكّد في الخمسينيّات على حقّ تقرير المصير حتى الانفصال للشعب العربيّ الفلسطينيّ بما في ذلك القسم الكائن في إسرائيل. (المؤتمر الثالث عشر - 1957).
ورغم تأكيد الحزب الشيوعي على هذا الحق كحق ليس من المفروض تحقيقه إلا انه يؤكّد التعامل مع العرب كوحدة قوميّة لها الحق في تقرير مصيرها، ومع ذلك فقد استنفر هذا الموقفُ السلطةَ خصوصًا في مرحلة وجود أغلبية ساحقة من العرب في منطقة الجليل التي من المفروض أن تقوم فيها دولة فلسطينية حسب قرار التقسيم، وانا أميل إلى رأي الأستاذ حنّا أبو حنّا في كتابه "خميرة الرماد" حول مساعي موشيه سنيه الحثيثة لإلغاء هذا الموقف.
إنّ التأكيد على موقف الحزب التاريخي حول الحقوق القومية في مرحلة ما قبل يوم الأرض وقبل المؤتمر الثامن عشر (1976) يكتسب اهميّة في ظل النقاش الدائر حول روايتنا، رواية الحزب الشيوعي والجماهير العربية من جهة وبعض النخب الجديدة من جهة اخرى، وللتأكيد على أن لا أحد على الإطلاق طوّر حقوق الجماهير العربية كالحزب الشيوعي، وأنّ كل منتقدي بعض مواقف الحزب في الخمسينيات، إمّا أنهم كانوا في الحزب الشيوعي، وهم كثر، وخرجوا منه في الثمانينيات او التسعينيات على خلفيات مختلفة، ولكن ليس لأنهم تذكّروا محاكمة "كول هعام" (1953)، مثلا، بعد اكثر من أربعين عامًا على حين غرّة فدهمتهم الفزعة على كرامتهم الوطنيّة!

*من فضاء عليّ إلى جدلية ماركس وانجلز!*

يقول الرفيق مخّول عن برنامج المؤتمر الـ18: "كان ولا يزال صحيحًا. وبالرغم من مرور ثلاثين عامًا على صياغته، فإنّ أيّة قوّة سياسيّة أو اجتماعيّة لم تستطع أن تتجاوزه أو الارتقاء إلى عمقه وشموليّته وكفاحيّته، ولا تقديم ما هو أفضل منه" وفي مواضع أخرى يؤكّد على دقّة هذه الطروحات، وباعتقادي، إن ما يقوله الرفيق مخّول صحيح من حيث المبدأ، ولكن ينقصه عدم محاولة طرح السؤال التالي: هل تتطلّب التطوّرات على مدى ثلاثين سنة ونيّف تغيير حَرْفٍ من هذا البرنامج؟! وهو بالطبع ليس نصًا مقدسًا نتعامل معه بموجب "إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ونختتمه بخشوع المتّقين "اليوم اتممت لكم دينكم"، وهذا ما لا يرضاه الرفيق مخّول، فحتّى في الفكر الديني المتنوّر جاء: "علّموا اولادك بغير علمكم فقد ولدوا لزمان غير زمانكم" وجاء: "معروف زماننا منكر زمان قد مضى، ومنكره معروف زمان قد يأتي"، "(وأصبحتَ) عليَّ حزينا وغسلت فضاءك في روح اتعبها الطين" كما يقول مظفّر النوّاب!
إنّ إصرار الرفيق مخّول على تأكيد تقدميّة المؤتمر الـ18 بعد مرور 30 سنة يذكّرني بموقف معاكس أورده لينين في كتابه "الدولة والثورة" عن مقدّمة لطباعة مجدَّدة للـ"بيان الشيوعي" وقّعها مؤلفاه معًا تحمل تاريخ 24 من حزيران سنة 1872. وفي هذه المقدمة يقول المؤلفان كارل ماركس وفريدريك أنجلز إنّ برنامج الحزب الشيوعي "قد شاخ في بعض أماكنه". قد شاخ بعد مرور 24 سنة من صياغته لأوّل مرّة (1848)، فما بال الموقف جامدًا من المؤتمر الـ18 بعد مرور 30 سنة ونيّف على صياغته في العام 1976! وهو أقلّ رؤيوية من "البيان الشيوعي" بما لا يقاس!

*التطوّرات بين السبعينيات والتسعينيات*

كلّ الظروف المحليّة تؤكّد أن الوضع السياسي تحسّن منذ السبعينيات، فحكومة إسرائيل التي اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية "منظّمة سفّاحين ومخرّبين" اعترفت بها وعقدت اتفاقيّات معها ورغم انسداد العمليّة السلميّة إلا أن الاستعداد المبدئي للاعتراف والتعامل موجودٌ، كما أن المجتمع الإسرائيلي الذي كان يرفض إرجاع شبرٍ من الضفّة والقطاع بات قاب قوسين أو أدنى موافقًا على إقامة دولة فلسطينيية على حدود الـ67! وفي مسألة "الإجماع الصهيوني" في السبعينيات القاضي بعدم الاعتراف بالمواطنين العرب كأقليّة قوميّة أصبح حزب "ميرتس" الصهيوني يعلّق يافطات انتخابية تدعو للاعتراف بالعرب كأقليّة قوميّة وكذلك شرائح واسعة من حزب العمل، وحتى أن لجنة أور الرسمية اعتبرت العرب أقليّة أصليّة (وليس أصلانية بمفهوم مكانة الهنود الحمر أو الأستراليين القدماء الذين "لم يبلوروا" وعيًا وهوية قومية و"لم يبلوروا" مشروعًا قوميًا متماسكًا، وتاليًا "لا يستحّقون تقرير المصير"!!!!) وفي مسألة الاعتراف بنا كفلسطينيين مررنا مسيرة طويلة من مرحلة الذهول الإعلامي لوجود طالبات عربيّات في جامعة حيفا يُعرّفن أنفسهن بأنهنّ فلسطينيات في منتصف السبعينيّات إلى وضع يعتبرنا فيه كل السياسيّين الإسرائيليين والاكاديميا فلسطينيين.
وإذا كان خطاب حقوق الأقليات قد تطوّر في منتصف الستينيات (خصوصًا معاهدات 1966) فقد حقّق قفزة نوعيّة في التسعينيات، والإعلام الذي تطوّر في السبعينيات أضحى ثورة معلوماتية في التسعينيات ممّا جعل تبادل الخبرات والمقارنة مع نضالات عالميّة أكبر، وإذا تحسّن وضع الجماهير العربيّة الاقتصادي بعد 1967 فقد تحسّن في التسعينيات بشكلٍ أعمق نتيجة لأجواء السلام التي شجّعت مستثمرين، وتلقّفنا من هامشنا
ما يسقط من مركزهم "اللي بحضر السوق ببيع وبشتري"، وللمفارقة، مرّة ثالثة، فهجرة أكثر من مليون روسي (أكثر من خُمس السكّان في حينه) نَشّطت فرع البناء والخدمات واستفاد منها المواطنون العرب اقتصاديًا بشكل كبير. وإذا كانت سنوات السبعينيات قد شكّلت القفزة الأولى من شريحة الأكاديميين فإنّ التسعينيات، بعد التراجع الذي حصل في الثمانينيات، شكّلت القفزة الثانية وهي الأوسع والأكبر، كمًّا ونوعيًا (مهنّد مصطفى، التعليم العالي لدى الفلسطينيين).
وإذا كانت هزيمة حزيران 1967 قد ضربت ممارسة الفكر القومي فإنّ حرب الخليج الأولى (1991) التي تصارعت فيها جيوش عربيّة (قوميّة) متحالفة مع أمريكا ضدّ جيوش عربيّة (قوميّة) شكّلت ضربة ثالثة لممارسة هذا الفكر (بعد 1967 وكامب ديفيد 1978) وكذلك استثناء العرب داخل اسرائيل من مسار "أوسلو" وتحويل التأييد الوطني الفلسطيني من سياسي ووطني ورومانسي ملتهب إلى سياسي عملي يراقب ويحاول أن يؤثّر على مسار المفاوضات، وشاهدًا لسلطة مفسودة ولانتهازيين كانت أسماؤهم رموزًا قبل شهور معدودة.
هذه المرحلة اتسمت بمحاولات اولية للبرلة الحيّز العام في إسرائيل، فالاكاديميا الإسرائيلية شهدت تطورًا في طرحها مسألة الحقوق الجماعيّة للمواطنين العرب وشهدت محاضرين تبنّوا نظريّتي الليبرالية والتعدّديّة الثقافيّة (بعد تطوّر الخطاب الحقوقي العالمي، الذي تطوّر لعدّة أسباب منها تفكيك المنظومة الاشتراكية وظهور أقليات تريد تقرير مصيرها) وكذلك محاضرين عُرفوا بالـ"ما بعد الصهيونيين" أو "المؤرّخين الجدد". وكذلك في الكنيست التي خاضت في نقاشات "القوانين الأساس" وطابع الدولة وكذلك المحكمة العليا التي أصدرت قرارات متقدّمة نسبة للوضع السابق حتى على مستوى الحقوق الجماعية، وكذلك خلق قيادات عربية شابّة ومثقفة وبروز عشرات الجمعيات التي تُعنى بمكانة المواطنين العرب (70% من الجمعيات أُقيمت في التسعينيات) والتي عمل فيها متفرّغون ومهنيّون ساهموا في تطوير الخطاب الحقوقي الجماعي.
في منتصف السبعينيات بلغ المواطنون العرب الفلسطينيّون أقل من نصف مليون نسمة و13,5% من المواطنين، وفي التسعينيات تجاوزوا المليون نسمة و18% من السكّان، ولهذه التغيّرات الكميّة أبعاد نوعيّة مقرّرة.
وبعد كلّ هذه التطوّرات الكميّة والنوعيّة فالتحليل الديالكتيكي يرفض الخضوع لمقولة أن المؤتمر الـ18 أصبح اليوم اكثر دقّة، وإنما يؤكّد أن المؤتمر الـ18 كان تقدميًا عميقًا شقّه ليس رفاق مسؤولون وحسب، وإنّما "جدعان" بحقّ، وهذا النهج يحثّنا اليوم أن نرى بالمؤتمر الـ18 أساسًا متينًا، وهو بحاجة دائمة لتطويره ملاءمةً للمرحلة.
طروحات المؤتمر الـ18 صحيحة مبدئيًا، ولكنّها بحاجة دائمة لمواكبة المرحلة.
لأننا نريد لحزبنا الشيوعي وجبهتنا ان يتطوّرا فلا يمكننا الركون الى راحة تقليد الماضي والتأكيد على صحّة مواقفه (كفى الله المؤمنين شرّ "الاجتهاد").
الحزب الشيوعي طوّر برنامجه بعد المؤتمر الـ18، ففي المؤتمر الثامن عشر لم يتعرّض لتغيير رموز الدولة مباشرة، بينما في المؤتمر الـ22 (1993) طالب بوضوح تغيير رموز الدولة بحيث تعبّر عن كل المواطنين يهودًا وعربًا، المؤتمر الـ22 تحدّث بوضوح عن تحويل إسرائيل إلى دولة كلّ مواطنيها (وكذلك في المؤتمر الـ23، 1997)، ثمّ تراجع عن ذلك مبدئيًا في المؤتمر الـ24 (الأخير) لرفضه منطق الحقوق المدنيّة الليبرالية وتأكيده على الحقوق القوميّة والمدنيّة، الأصحّ والأدقّ، فلماذا لم يتطرّق الرفيقان مخّول وزعاترة إلى هذين المؤتمرين الهامّين على هذا الصعيد!
المواد الخاصّة بالجماهير العربيّة في مؤتمرات الحزب الشيوعي لم تشمل كلمة نكبة! ولم تتطرّق لمأساة الـ48 وتحويلنا قسرًا إلى أقليّة بعدما كنّا أغلبيّة، فتبدأ كلّ المؤتمرات وكذلك المؤتمر الـ18 بمسألة التمييز بعد إسرائيل، وهذا تقصيرٌ فادح رغم أن النكبة (بأحرفها الأربعة) ذُكرت مرارًا في أدبيّات الحزب الشيوعي (إميل توما، تاريخ الجماهير العربيّة الكفاحي) والذي أكّد أنّنا لم نخرج من أي حائط بل جذعٌ أصيل من الشعب العربي الفلسطيني.
البرنامج الذي صاغه الحزب الشيوعي في المؤتمر الـ18 تفصيليّ فعلا ولكن تنقصه الكثير من البنود الأساسيّة، فمثلا طالب الحزب بالاعتراف بالعرب كأقلية قوميّة، وبرأيي يجب المطالبة بالاعتراف بالمواطنين العرب كمجموعة قوميّة وأصليّة (ليس بمفهوم الأصلاني وإنّما بمفهوم وروح وثيقة 6 حزيران "نحن اهل هذي البلاد") وكذلك الاعتراف بكوننا أحد أجزاء الشعب العربي الفلسطيني، ولهذه الاعترافات أبعاد حقيقيّة تتجاوز الاعتراف بنا كأقليّة قوميّة فقط.
برنامج المؤتمر الـ18 لا يشمل المطالبة باعتراف المؤسسة بالنكبة والغبن التاريخي الذي عانت منه الجماهير العربيّة، والعدل المصحّح وهذا أساس لأي توجّه حقيقي نحو المساواة.
برنامج المؤتمر الـ18 لا يشمل الاعتراف بالهيئات التمثيلية للجماهير العربيّة والتعامل معها، لا يشمل إلغاء التجنيد الإلزامي على العرب الدروز ورفض اختلاق قوميّة درزية، لا يشمل الاعتراف بالقرى غير المعترف بها وإلحاقها بالعصر، لا يشمل مطلب إقامة جامعة عربيّة (التي أوّل من طرحها كان برنامج جبهة الناصرة في انتخابات 1975) لا يشمل الموقف من بناء قرى ومدن للمواطنين العرب أيضًا، وغيرها الكثير.
لا أخترع أي دولاب، فعلى هذه المواقف لا يختلف شيوعيّان أو جبهويّان غير حزبيّيْن، فكلّها هي مواقف الحزب الشيوعي والجبهة لكنّها لم تُذكر في المؤتمر الـ18، لذا من واجب الحزب والجبهة الاستناد إلى المؤتمر الـ18 وتجديده من أجل صياغة وثيقة تشارف التكامل حول مكانة وموقف الأقليّة القوميّة العربيّة في إسرائيل.

*في الأسلوب!*

يتطرّق الرفيقان مخّول وزعاترة إلى مسألة "الدمقراطية التوافقية" التي يعالجها فلاسفة كبار منذ عشرات السنين، ويبيّن الرفيق مخّول رفضه لها بحجّة النظر إلى الوضع في لبنان!! وبهذه المحاججة البرقيّة ينتقل سريعًا لمناقشة موضوع آخر.
الرفيق مخّول ذكر المثل الذي لا يُمتثل في "الدمقراطية التوافقية"! فلماذا أورد الرفيق مخّول لبنان نموذجًا ولم يورِد سويسرا أو بلجيكا أو جزئية "الدمقراطية التوافقية" في كندا! النظام اللبناني غير دمقراطي أصلا ويعيد إنتاج الطوائف (أيضًا عبر "الطائف") كما يؤكّد الواقع اللبناني، ولا يفسح آفاقًا لجعل "الدمقراطية التوافقيّة" مرحلة وسطى تُفضي إلى دمقراطية حقيقيّة في مرحلة أكثر متقدّمة (مهدي عامل، في الدولة الطائفيّة) كما أنّ الطوائف ككيانات ليست طوائف إلا بالدولة الطائفيّة ولا يجري التعامل مع الطوائف ككيانات في أي دولة في العالم فأستراليا وفرنسا وكندا وغيرها من الدول متعددة الطوائف ولا يجري الحديث هناك عن "دمقراطية توافقية" بين الطوائف! فالأبعاد البنيوية للقوميات تختلف جذريًا عن الطوائف، والنقاش في إسرائيل يدور حول قوميّتين وليس أربع طوائف! 
الرفيق زعاترة كان أكثر حذرًا، وبعد أن أبرز بعض إيجابيات وسلبيات "الدمقراطية التوافقية" ترك الأمر لمراجعة أخرى أكثر عمقًا، لكنّه اتفق مع الرفيق مخّول في مسألة النُخب وبحْثَها عن مواقع جديدة لها من خلال النظام الجديد! ويستعمل الرفيقان كلمة "نخب" وما تحمله من فوقيّة وتلميحًا لانقطاعها عن الجماهير الشعبية (علي حرب، أوهام النخبة) وهي بخلاف كلمة المثقّف الإيجابيّة، المثقّف الملتصق بالناس وقضاياها (لينين، بصدد المثقفين) بل يرى الرفيق مخّول من المناسب الإشارة إلى مصادر لينينية تصِم هؤلاء المثقفين بالبرجوازية والقومجيّة.
جزءٌ من هؤلاء المثقفين هم انتلجنتسيا وجزء آخر من الفئات المدينية المتوسّطة وجزء صغير من البرجوازيين الوطنيين، وهم شركاؤنا في النضال من أجل المساواة المدنيّة والقومية، هم الشركاء الذين أقيمت الجبهة من اجلهم ليشاركوا الحزب الشيوعي نضاله.
أما استعمال التعبير قومجي الذي كرّره لينين مرارًا وغيرها من التعابير التي كانت تصلح أيّام الثورة والحروب فلا تصلح في هذه الحالة، ليس لأننا لسنا في معمعان الثورة الاشتراكية وحسب، وإنّما لأنّ من شارك في إعداد الوثيقة أبعد ما يمكن عن القومجيّة، فهم، ورغم إجرام الحركة الصهيونية والمؤسسة الحاكمة وغسل دماغ غالبيّة الشعب اليهودي ليعادي كل ما هو عربي، حافظوا على قيم إنسانية كونيّة ونادوا بالحياة المشتركة مع المواطنين اليهود في دولة دمقراطية، فأيّة قومجيّة هذه؟!

*ختامًا*

لأن الحزبَ الشيوعي والجبهة هما الأقدر على ربط النضال الوطني والطبقي، وعلى إيجاد التوازنات بين قضيّة الشعب الفلسطيني العامّة وبين الحقوق القوميّة والمدنيّة داخل إسرائيل (بخلاف "عرب كويبك" مثلا) ولأنّ في المعركة على الحقوق القومية تتداخل أبعاد طبقية حتى الوصول إلى المساواة القوميّة الشكلية "بين الشعبين" (وحتى نصل إلى هذا سنناضل سنينَ) والتي لن تتكامل إلا بالنضال الطبقي وإلغاء الفوارق الطبقيّة، حينها فقط سنصل إلى مرحلة المساواة الجوهريّة، في هذا الطريق الطويل والصعب نحن بحاجة إلى تحليل الحزب الشيوعي والجبهة ودورهما ليقودا النضال الشعبي والفكري في كلّ الميادين.
ليس على الصراعات الداخلية، وإنّما على هذه المسائل المبدئيّة يجب تركيز النقاش داخل الحزب الشيوعي والجبهة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق