الاثنين، 20 يونيو 2011

يوم الأرض عصيٌّ على السرقة !!





الأثنين 31/3/2008

* "أبو الدراسات" يعلن: يوم الأرض جرى دون تخطيط *


الذاكرة الجماعيّة من أبرز مكوّنات الشعب الواحد والهُويّة. وكثيرًا ما استفزّتنا المؤسّسة الحاكمة في سعيها المحموم لتشويه ذاكرتنا الجماعيّة وطمس معالم بلادنا، ولكن يبدو أن بعض الأحزاب/ الحركات لا يكفّ عن تشويه أهمّ أيّام الجماهير العربيّة، هذه الجماهير التي لم تتغرّب ولم يمت أبناء جيلها، فلمَ الكذب؟!
يوم الأرض، الذي استبدَل نفسيّةَ النكبة والهزيمة والحوقلة بنفسيّة المواجَهة والتحدّي والتجذّر، عصيٌّ على استلاب الذاكرة.
يوم الأرض، الذي غرس في وجداننا أنّ الوحدة الكفاحيّة والنضال هما أقصر وأشرف الطرق لنيل الحقوق، عصيٌّ على السرقة.
يوم الأرض، الذي وَحّد أبناءَ الشعب الفلسطينيّ، في أماكن وجوده كافّةً، حول مَعْلَمٍ وطنيّ بارز من إنتاج الجماهير العربيّة، عصيٌّ على التهميش.
يوم الأرض، الذي حوّل منهجيّة التصويت للبرلمان من أغلبيّة مطلقة للأحزاب الصهيونيّة إلى أقليّة تتناقص باطّراد، عصيٌّ على الإخفاء.
يوم الأرض، الذي خرجت الجبهة من رحِـمِهِ وصعّد الخطاب الوطنيّ بما يلائم جاهزيّة الجماهير العربيّة، عصيٌّ على المهاترات.
يوم الأرض، الذي أرجع الأراضي التي صودرت قُبيله وأوقف سرقة الأراضي العربيّة بالجملة- الأراضي التي تجمع الأبعادَ القوميّة والمدنيّة والروحيّة والرمزيّة- عصيٌّ على العبث.

* * *

أكتب هذا، إثْرَ مشاركتي في إحدى المدارس الثانوية، حيث دعتني إدارة المدرسة - ولها كل الشكر والتقدير- لتقديم محاضرة حول يوم الأرض وَ"الخدمة المدنيّة". هناك، في مدخل المدرسة، وَزّع الطلاب منشورًا حول يوم الأرض، جاء فيه: "ما ميّز يومَ الأرض هو خروج الجماهير لوحدها إلى الشوارع دونما تخطيط، لقد قادت الجماهير نفسَها إلى الصدام مع المؤسّسة الرسميّة".

عندما قرأت المنشور، لم يغب عنّي أنّي قرأته في أحد إصدارات "مركز الدراسات المعاصرة" التابع للحركة الإسلاميّة الشماليّة. عدت إلى أوراقي، وتيقّنتُ من ذلك.
طلاب المدرسة الثانويّة الذين وزّعوا المنشور، هم شباب وطنيّون، وما أرادوه هو إبراز يوم الأرض، وهم -بالطبع- لم يقصدوا إلاّ خيرًا، ولكن مركز "الدراسات" (!) المعاصرة ليس بريئًا، إذ كيف غفل "أبو الدراسات المعاصرة" عن أنّ فكرة يوم الأرض اختمرت عَبْرَ نشاطات جماهيريّة متعدّدة، منذ أن أعلنت الحكومة عن مشاريع المصادرة الكبرى في الجليل في مطلع العام 1975؟!

وكيف غفل "أبو الدراسات!" عن الاجتماع الجماهيريّ الكبير الذي عُقد في الناصرة في 15/8/1975؟! ذاك الاجتماع شارك فيه المئاتُ من الشخصيّات العربيّة واليهوديّة. في هذا الاجتماع، تأسّست لجنة الدفاع عن الأراضي العربيّة (وكانت بغالبيّتها الساحقة من الشيوعيّين وأصدقائهم -الجبهويّين في ما بعد) وانتُخبت لجنة تحضيريّة تُعِدّ لمؤتمر شعبيّ كبير. وقد انعقد فعلاً، في 18/10/1975، في سينما "الناصرة" في مدينة الناصرة، حضرته مجموعة كبيرة من الشخصيّات وأعضاء الكنيست والرؤساء، وبرزت فيه مشاركة دمقراطيّة يهوديّة ملحوظة.

وكيف سَها "أبو الدراسات" عن انعقاد المؤتمر الشعبيّ في مدرسة سخنين الثانويّة يوم 14/2/1976؟! ذاك المؤتمر حضره نحو خمسة آلاف شخص. وفي هذا الجو المشحون بالاستنكار الشعبيّ لخطوات المصادرة التعسّفيّة، وباتّساع حلقة احتجاج الجماهير اليهوديّة، قرّر المكتب السياسيّ للحزب الشيوعيّ العملَ من أجل إعلان وتنظيم إضراب عامّ احتجاجيّ، تقوم به الجماهير العربيّة في سبيل دعم المطالَبة بإلغاء قرار المصادرة الظالم، وطلب من أعضاء الحزب العاملين في مختلف الهيئات الشعبيّة العملَ من أجل إعلان الإضراب وإنجاحه.

وكيف غفت عين "أبو الدراسات" عن يوم 6/3/1976؟! في ذاك اليوم عَقدَتْ لجنة الدفاع عن الأراضي اجتماعًا موسّعًا في الناصرة، دعت فيه إلى إعلان الإضراب العامّ في يوم الثلاثاء 30/3/1976 احتجاجًا على سياسة مصادرة الأراضي.
وكيف لم يقرأ "أبو الدراسات" العريضة التي نشرتها صحيفة "هآرتس" في 8/3/1976؟! تلك العريضة وُجّهت إلى حكومة إسرائيل، وقد قام بالتوقيع عليها عشراتٌ من الشخصيّات اليهوديّة، مطالِبةً الحكومةَ بإلغاء المصادرة، وتؤكّد حقَّ الجماهير العربيّة في الإضراب.
كيف لم يتابع "أبو الدراسات" والأكاديميا المعاصرة الأيّامَ العشرةَ الأخيرةَ قبل الإضراب -ومنها يوم 20/3/1976-؟! في ذلك اليوم عَقدت اللجنةُ المركزيّة للحزب الشيوعيّ دورتَها الرابعة والعشرين؛ وفي قرار خاصّ، دعت إلى إنجاح إضراب يوم الأرض.
أمّا ليلة 25/3/1976، فهي "تنشاف من أيّ حتّة" -كما جاء في "شاهد ما شافش حاجة"-؛ ولكن "أبو الدراسات"لم يسمع ولم يرَ اجتماع رؤساء السلطات المحلّـيّة الذي استشرس فيه الرؤساء المتواطئون ليلغوا قرار الإضراب، بينما صمد الرؤساء: توفيق زيّاد (الناصرة) جمال طربيه (سخنين) أحمد مصالحة (دبّورية) حنّا مويس (الرامة) محمّد محاميد (أمّ الفحم) محمود نعامنة (عرّابة) أسعد يوسف كنانة (يافة الناصرة) حسن محمود خطبا (الرينة) محمّد زيدان (كفر مندا) أمين عساقلة (المغار) ويونس نصّار) طرعان).
قد أَعذُر "أبو الدراسات" أنّه لم يُفلح في التقاط اجتماع "المكتب السياسيّ" للحزب الشيوعيّ الذي عُقد في 26/3/1976، في وادي النسناس في حيفا، وأكّد على عدم التراجع عن قراراته السابقة، وأنّ الثلاثين من آذار هو يوم إضراب لا رجعة فيه.

إلى جانب القرارات الرسمية للحزب الشيوعي ولجنة الدفاع عن الأراضي التي لا يحقّ لأحد غمطها حقّها، فلا يمكن تجاهل إقامة لجان محلية للدفاع عن الأراضي، والعمل الميداني اليومي بقيادة الشبيبة الشيوعية، كإغلاق المدارس رغمًا عن المدراء، ووضع الصمغ في أقفلة الحوانيت كي يستصعي على أصحابها فتها والوقوف في مخارج القرى لمنع بعض العمّال من الذهاب إلى عملهم.. كثيرًا من هذه الأعمال لم ينفّذ بأيادٍ حريريّة.
ما ميّز يوم الأرض هو بالضبط عكس ما أورده أبو الدراسات، فهو عمل منهجي منظم يحمل رؤية استراتيجية متقدمة، قادتها ونظمتها قيادة شجاعة وحكيمة، مؤلفة من الشيوعيين وأصدقائهم ومن كافة الوطنيين. ولعل هذا الأمر هو الذي أخرج السلطة عن طورها لأنها عجزت، وهي المدججة بالخبراء واعوانهم ودراساتهم، أن تقف أمام هذا التنظيم الكفاحي المتطور، الذي وجد له موطئ قدم في كل بلدة وبلدة وفي كل حي وحي وبيت وبيت.. هذه هي عظمة يوم الأرض.

العذر الوحيد الذي نقبله لأبو الدراسات هو أن يعلن لنا أن هذه الجملة البائسة أتت لوصف حدث آخر، وهو بالضرورة وبالتأكيد وبما لا يقبل الشك، ليس يوم الأرض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق