السبت، 18 يونيو 2011

حين الإهانة تصيبُ العظم!






الجمعة 25/1/2008
بعد يومين ستُصدِر وِحدة التحقيق مع الشرطة "ماحش"، قرارَها النهائي بخصوص قتلة الضحايا الثلاثة عشر في أكتوبر 2000.
القرار معروف سلفًا، فبعد مماطلة مقصودة، دامت سبع سنوات ونيّف، وتُستَعمل كحجّة لتشويش أدلّة الجريمة وحيثياتها، ستقرِّر "ماحش" إغلاق كل الملفات وعدم تقديم أي من قتلة الضحايا الثلاثة عشر إلى المحاكمة.
للتذكير، "لجنة أور" (هل من يتذكرّها؟!) أوصت بالمساواة المدنية بين العرب واليهود، فأقامت الحكومةُ "لجنةَ لبيد" بعضوية بيني إيلون، ايفي ايتام، جدعون عزرا، تساحي هنغبي وتسيبي ليفني لـ"تطبيق" توصيات "لجنة أور" بهذا الصدد- فإذا باللجنة الجديدة توصي بتطبيق "الخدمة المدنية"، فتمخّض أكتوبر 2000، بأبعاده الوطنية وتضحياته الجسام، ووَلَدَ "خدمةً مدنية"!!
وفي المجال "الجنائي" وصفت "لجنة أور" تعامل الشرطة مع المواطنين العرب بـ"التعامل مع الأعداء وليس مع المواطنين"؛ فقامت الشرطة، بعد توصيات لجنة أور، بقتل 20 عربيًا في مواقع مختلفة. أما من الشعب اليهودي (شعب الـ80%، وحيث الجريمة منظمّة حسب التعريف الرسمي للـ"جريمة المنظّمة") فلم يُقتل أي يهودي، ونحن لا نبتغي ذلك بالطبع، ولكن هل صدفة أن يكون القتلى من العرب حصرًا، على يد الشرطة.

وها نحن نعيش، في هذه الأيّام، آخر مسلسل الإهانات، وبعد غد ستعقد "ماحش" مؤتمرا صحفيًا وستُساقط الكلمات من "عَلٍ" كولينياليّ: "سنغلق كل الملفات"، وسيردفون بـ"ألم" أشدّ مضاضة: "الأهالي لم يستجيبوا ولم يتعاونوا".. كل هذا يتمّ في مذبحة أخلاقية لا تقل قسوةً عن المذبحة الدموية قبل سبع سنوات ونيّف، فحينذاك "القيادة العربية هي المسؤولة" واليوم تنتقل المسؤولية إلى ذوي الشهداء! ذوي الضحيّة أمّا الجاني فبراءٌ كبراءة الذئب من دم يعقوب.
لم نكن بحاجة إلى اعتراف أولمرط لكتلة الجبهة، مساء أوّل أمس، بأنه "لو كان القتلى يهود لتمّ تقديم جميع القتلة إلى المحاكمة" ولكنّا، كنّا سنعتبر موقفه متقدمًا لو لم ينكر تصريحاته، في الثلاث صحف العبرية، قبل صياح الديك.
لكنّ الجريمة التي اُرتكبت في رابعة النهار لا يستطيع أولمرط وزبانيته إنكارها في الغرف المغلقة، ومعركتنا هي إماطة اللثام عنها في كلّ مكان، ليس من أجل الشهداء فقط، وإنما من اجل الأجيال الصاعدة التي من حقّها أن تناضل وأن تحيا دون أن يتهدّدها الموت.
من الواضح أن رفاقنا منغمسون في المعترك الوطني، فما إن ينتهون من معركة حتى تتلوها أخرى، فمن نضال أهلنا في النقب ضد المصادرة والهدم، إلى نضال الطلاب الجامعيين ضد لجان الطاعة وضدّ الخصخصة، إلى النضال ضد محو معالم قرية البروة، إلى التظاهرات من أجل مجتمع حضاري وتقدّمي، إلى النضالات ضد سياسة بوش، حتّى يدعونا أهلُنا بنداء الواجب في القدس العربية وغزّة- رغم معاناتنا اليومية:

"يدعون عنترة والرماح كأنها  
              أشطان بئر في لبان الأدهم"

ولكن لا بأس يا رفاق الدرب، همّة قويّة مطلوبة اليوم، ولا يمكن أن نصمت إزاء هذه الإهانات، وإزاء جريمة لم يدفع فيها حتى "قرش شدمي" الذي دُفع بعيْد مجزرة كفر قاسم.

* * *

رغم مرور سبع سنوات ونيّف، أشعر بتصبّب العرق في جبيني وأنا أتذكّر أم الشهيد وسام يزبك، عندما رافقناها إلى مستشفى رمبام، كيف اكتفت برؤية ملامح وجه الطبيب الخارج من عمليّة وسام، كانت قسمات وجهه كافية لتطلق صرخة أمٍ فقدت ابنها...
وعندما ركض إليها أحد الشبّان ليواسيها: لا تحزَني فإن ابنك شهيدٌ. ردّت عليه بصدق أمٍ ولوعة ثاكل: "أنا.. بدّي.. وسام".
من أجل هذه القيم التي تحبّ الأبناءَ أحياءً، ومن أجل الحياة الحرّة الكريمة عندما تُغلق "ماحش" الملفّات، نحن سنفتحها على مصاريعها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق