السبت، 18 يونيو 2011

"المخابرات تحيك المخططات ضدّ الشباب العرب"


ليس فقط "الخدمة المدنيّة"

"المخابرات تحيك المخططات ضدّ الشباب العرب"




أيمن عودة
مناهضة الجماهير العربيّة لمشروع "الخدمة المدنيّة" اعتمدت أُسسًا صحيحة أهمّها المنطلق الديمقراطيّ المدنيّ الرافض لاشتراط حقوق المواطنين العرب، أهل البلاد الأصليّين، والتوجّه الوطنيّ رافض الانضواء تحت أكناف وزارة "الأمن" ومفهوم "الأمن"، عدا الأسباب الاجتماعيّة – الاقتصاديّة التي بيّنّاها في أكثر من موضع، والتي اضطرّت "مسؤولين" في المؤسّسة إلى الاعتراف المعلن بصحّة جزءٍ كبير من طروحاتنا.
لست بصدد تقييم مناهضتنا للمشروع ولكن، بالمجمل، يُمكن القول إنّ الحملة ضدّ هذا المخطّط كانت مميّزة بكثافتها ووحدة الأطر الوطنيّة لمناهضتها ونجاحها في خلق جوّ عامّ رافض، حتّى إنّ السلطة، وبعد عمل حثيث، "نجحت" في استدراج ما يقارب 350 شابًّا وشابّة، وهو عدد يقلّ عن العرب المتطوّعين في الجيش! إذًا يمكن القول بثقة إنّنا، حتّى الآن، نجحنا، وحقّ لنا أن نعتزّ بهذا النجاح.
إلى جانب ذلك، تُمْكن الإشارة إلى بعض الأخطاء التي وقع فيها البعض حين اتّهموا الشباب الذين خدموا بشتّى النعوت (نحو: العملاء؛ الخوَنة؛ وغيرها) التي لا نقبلها لوصف شبّان وشابّات غُرِّر بهم، وبخاصّة قبل حملة التوعية الواسعة التي قُمنا بها. هذه الاتّهامات لا تترك مجالاً للتراجع أمام هؤلاء الشباب، وهذا ما لا نريده، ومعركتنا الأساسيّة هي ضدّ الحكومة ومخطّطاتها.

السلطة هي التي ردّت الفعل

وهناك من يتّهمنا بأنّنا نردّ الفعل ولا نبادر، ونستطيع تفنيد هذا الادّعاء بأكثر من مثال؛ من ذلك: أيّام العمل التطوّعية التي تتنفّس من رئة شعبنا والتي كانت السلطة تقمعها، والحقيقة أنّ مشروع "الخدمة المدنيّة" هو بحدّ ذاته ليس مبادرة سلطويّة، بل ردّ فعل سلطويّ لخروج الشباب عن بكرة أبيهم يوم القدس والأقصى في أكتوبر 2000، وليس غريبًا أنّ لجنتَيْ "أور" و"لبيد"، المخصّصتين لبحث أحداث أكتوبر 2000، تحدّثتا عن ضرورة قيام الشباب العرب بـِ "الخدمة المدنيّة"، وبلغ الأمر بـِ "لجنة لبيد" أن اعتبرتها، صراحة، مقدّمة للخدمة العسكريّة ولأُطر أمنيّة أخرى.
قد نُضطّر إلى التذكير أنّ في إسرائيل جهازَ مخابرات يعمل فيه مئات المختصّين بالجماهير العربيّة، وهؤلاء ليسوا عاطلين عن العمل بالطبع، وقد رصدوا مشاركة الشباب في المناسبات الوطنيّة؛ خاصّة في مرحلة أكتوبر 2000 (تذكرون أم السحالي، نيسان 1998؛ وأراضي الروحة، أيلول 1998؛ وهدم البيوت في اللدّ، حزيران 1999؛ ومظاهرة السلطات المحليّة في القدس، كانون الأوّل 1999؛ وذكرى يوم الأرض، آذار 2000؛ وهبّة الطلاّب في الجامعات، نيسان 2000؛ ويوم "الاستقلال" في شفاعمرو، أيّار 2000؛ ومظاهرة الكسّارة في "نتسيرت عيليت" أيلول 2000 وحتّى تشرين الأوّل 2000 -حيث لم يبقَ بلد لم يشارك مئات شبابه في التظاهر).
ليس من قبيل المصادفة أن تُقيم المؤسّسة 37 مركزًا للشرطة الجماهيريّة في القرى والمدن العربيّة بعد أكتوبر 2000. ليس الهدف من هذا "تقريب الشرطة من العرب"، كما ادّعت المؤسّسة، بل "تقريب العرب من الشرطة... من المؤسّسة"، فما قتل 20 عربيًّا بعد أكتوبر 2000 وبعد توصيات لجنة أور التي اعتبرت الشرطة تتعامل مع العرب كأعداء وما الهجوم الدموي على قرية البقيعة الأسبوع الماضي إلا تأكيدًا على أنّ "الأمن" هو ذاته "الأمن" الذي كتب عنه رفيقنا علي عاشور الذي نحتفي بذكرى وفاته العاشرة هذه الأيّام:

"باسم الأمن
وحفظ الأمن
يدوس الأمن
رجالُ الأمن
***
باسم الأمن
فقدنا الأمن
وصارَ الأمن
عدوّ الأمن"

ليس من باب المصادفة أن يزيد عدد المتطوّعين في "الحرس المدنيّ" الشرطويّ من 2000 "متطوّع" إلى 7400 "متطوّع" عربيّ، وكذلك الزيادة الحادّة في التطوّع للجيش -حتى لم تعد قرية واحدة معصومة من انخراط بضعة من شبابها (قد لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة) في جيش الاحتلال الإسرائيليّ-، وإدراج "المائة مصطلح" المتضمِّنة توجُّهًا صهيونيًّا لتعليم الشباب في المدارس العربيّة، هذه المناهج التي تنأى بالطالب العربيّ عن تعلّم تاريخه الوطنيّ وتُعلّمه عن تاريخ اليهود الحديث أكثر من تاريخ العرب الحديث (لا مانع من تعلّم تاريخ اليهود الحديث بنظرة نقديّة).
كلّ ما ذُكر آنفًا يستند إلى معطيات دقيقة من مصادر أوّليّة، وهي مخطّطات جليّة، ولكنّا لا نعرف الكثير ممّا تقوم به المخابرات في الخفاء، فلمَ لا نرجّح أنّ أصابع "خفيّة" تُشوّه وعيَ الجيل الشابّ في مواقع الإنترنت، فالتعقيبات على الأخبار والمقالات تُشرذم شبابنا وتسيء إلى وحدتهم الوطنيّة والاجتماعيّة، وما التعليقات التي تَشتم المسلم والمسيحيّ والدرزيّ، أو التي تُهاجم قرى ومدنًا معيّنة، إلا مثال واحد على مسائل لا يستفيد منها إلاّ أعداء شعبنا! فهل هذا من قبيل الصدفة!

***

نعود إلى المخطّطات الجليّة... دائرة الشباب والمجتمع في وزارة المعارف دعت إلى الاحتفال بقيام دولة إسرائيل في المدارس اليهوديّة وَ "الإسلاميّة والمسيحيّة والدرزيّة!" (كما جاء في نصّ الوزارة) وأعلنت أنّها ستُطالب الطلبة الثانويّين (ومن بينهم العرب أو "المسلمون والمسيحيّون والدروز" –على حدّ تعبير الوزارة) بالتوقيع على الوثيقة.
إنّ موقف جماهيرنا وشبابنا اليوم لن يقلّ قوّةً عن موقف الحزب الشيوعيّ قبل خمسين سنة أيّام الحُكم العسكري حيث كانت للحيطان آذانُ وللوعد معنى وللوعيد معاني، في أيّار 58 في الناصرة وأمّ الفحم، أشعلها الحزب الشيوعي مظاهرات غاضبة ورافضة للاحتفال على أنقاض شعبنا. ويكفي أن أذكّر بموقف الشيوعيّ، طيّب الذكر، فؤاد جابر خوري، في المجلس البلديّ الناصريّ في العام 58 إذ قال: "إنّ الجماهير العربيّة تذكر في هذه المناسبة المآسي الدمويّة التي أحاقت بالشعب العربيّ الفلسطيني سنة 1948، إنّ المواطنين العرب في إسرائيل يعانون، فوق هضم حقوقهم القوميّة، هضم حقوقهم المدنيّة". وأضاف: "إنّ سَوْق هذه الجماهير العربيّة للاحتفال والابتهاج ليس إلاّ سَوْقها إلى الرياء والكذب، فكيف تستطيع تجريد نفسها من الواقع المرّ والرقص على قبور ضحاياها وأنقاض حقوقها المهضومة"؟!
أمّا التوقيع على وثيقة الاستقلال (استقلال ممّن؟ من شعبنا؟!)، فهو مرفوض قطعًا، ليس فقط للطلاّب العرب، بل كذلك لكلّ اليهود الديمقراطيّين الحقيقيّين، فهي أهمّ وثيقة إجماع صهيونيّ معتزّة بمؤتمر بازل 1897 ووعد بلفور 1917، وتربط بين الدين والدولة وبين الدين والقوميّة، وتَعتبر الصهيونيّةَ حركة تحرّر وطنيّ، وغير ذلك من أسس الصهيونيّة، علاوة على "الخطاب التحديثيّ" والذهنيّة الاستعماريّة والاستشراقيّة في ما يتعلّق بإحياء القفار وتطوير البلاد رغم سكّانه البدائيّين "الأصلانيّين!". هذه الوثيقة صِيغتْ لإقامة الدولة، حسب قرار التقسيم، حيث كان عدد العرب مساويًا، تقريبًا، لعدد اليهود في "الدولة اليهوديّة"، إلاّ أنّ الوثيقة لم تجد من المناسب ذكر أيّة كلمة من الأصل الثلاثيّ "ع.ر.ب" تشير فيها إلى نصف مواطني الدولة العتيدة!

لنواصل النضال ضدّ "الخدمة المدنيّة"... في سياقها

المهامّ أمام الجيل الشابّ جِسام، ومن الآن فصاعدًا ينبغي إدراج النضال ضدّ "الخدمة المدنيّة" كجزءٍ من المخطّطات التي تستهدف الجيل الشابّ، لا التركيز في مناهضتها وحدها.
ويبدو أنّ السلطة، التي تحيك المؤامرات في الخفاء، وتعمل على التجنيد للجيش وغيره في الخفاء، قد قرّرت طرح "الخدمة المدنيّة" جهارًا وبقوّة! فهي تعلم أنّ المخطّطَ مركبٌ وهي تعمل على تغييرِ مواقعها لا تغييرِ جوهر مواقفها، فما التراجع في ربط الحقوق بالواجبات -كما قال كلّ الوزراء قبل سنتين؛ وبلغ الأمر برئيس الوزراء شارون أن قال في لقاء مع عشرات رؤساء السلطات المحلّيّة العربيّة أنّ الشباب ينبغي أن يقدّموا واجبات وعلى رأسها "الخدمة المدنيّة" مقابل الحقوق!-، وما العمل على تجنيد جمعيّات تابعة، علنًا، لوزارة الرفاه (الرفاه، لا الأمن) وغيرها، إلاّ محاولات لتحميل الضحيّة وزر التمييز ضدّها، ولإظهار قيادة الجمهور العربيّ رفضيّة، ولإظهار المواطنين العرب كسالى "عطّالين بطّالين" لا يُحْسنون سوى التباكي والشكوى على عدم الحصول على الحقوق.
لذا، ونظرًا لضرورة شرح أبعاد "الخدمة المدنيّة" للجيل الشاب، لكونها أكثر تعقيدًا أو تركيبًا من غيرها، تنبغي المواظبة في النضال والتوعية ضدّها، ولكن يجب كذلك إحداث قفزة في المعركة ضدّ كلّ المخطّطات الحكوميّة والمخابراتيّة التي تستهدف الجيل الشابّ العربيّ. هذه المخطّطات هي:
• "الخدمة المدنيّة".
• تزايد الانخراط في جيش الاحتلال.
• الشرطة الجماهيريّة.
• الحرس المدنيّ- الشرطويّ.
• التوقيع على وثيقة "الاستقلال".
• "المائة مصطلح" ذات التوجّه الصهيونيّ الواضح والذي أُدرج ضمن مناهج التعليم العربيّ.

إنّ النضال ضدّ كلّ هذه المخطّطات، وبضمنها "الخدمة المدنيّة، يوحّد الجمهور العربيّ، ويسهّل شرحه للمجتمع الإسرائيليّ بعامّة، أكثر ممّا يحقّقه التمركزُ في موضوع "الخدمة المدنيّة" لوحدها.

* * *

الذكرى الستّون لنكبة شعبنا ولقيام دولة إسرائيل ستشمل حملة إعلاميّة سلطويّة مكثّفة، كما في كلّ عاشور، وعلينا خوض نضال وطنيّ وإنسانيّ. هي معركة ليست بسهلة، لكن لا يجوز التراجع فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق