السبت، 18 يونيو 2011

للمرّة الألـف – المسؤوليّـة الوطنيّــة


لا وقت للاعتباطية

للمرّة الألـف – المسؤوليّـة الوطنيّــة





السبت 30/6/2007

- لا يمكن قبول ما ارتكبته "حماس" من قتل وتدمير، وانتهاك للرموز الوطنيّة الفلسطينية، وجرح كرامات الناس والمناضلين "الفتحويّين" الشبّان، وكذلك العبارات التخوينية التكفيرية التي تحرق الأخضر واليابس وغيرها المنتشية بـ"التحرير الثاني"، وإطلاق النار على المظاهرات السلميّة التي تدعو إلى وقف إطلاق النار في مشهد مأساوي ولهاث محموم للاستيلاء على "لا سلطة".
- ويَعجب المرء لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي لم تعد تمارس دورها كحركة مقاومة منذ استلامها السلطة، فأصبحت أكثر حرصًا على السلطة من حكّام دولٍ مستقلّة! فلا مقاومة ولا يحزنون، وإن كنّا نرفض قتل المدنيّين الإسرائيليّين كما دأبت حماس منذ تأسيسها، إلا أنها اليوم لا تقاوم حتّى الاحتلال من جيشٍ ومستوطنات ممّا أهّل الجيش لاحتلال المدن ومحاصرة القرى الفلسطينية مباشرةً مستفيدًا من غياب المقاومة والمواجهة، وبدلا من إلغاء السلطة الأوسلويّة- وهذا ما لا نريده- بقوّة شرعيّتها المنتخبة وبدلا من ترك مآزق السلطة لقيادة مستقلّة، أصرّت "حماس" على القبض بأسنانها ونواجذها على السلطة وتغييب المقاومة الشرعية وغير الشرعيّة كُرمال السلطة الموهومة. (لكِ يا منازل في القلوب منازل).

- لا مرية أنّ "حماس" قد فازت في الانتخابات الدمقراطية (ثمّة مفارقة في استعمال كلمة "دمقراطية" ضمن كيان مغتصب يُعبث بتفاصيله من الرأس حتّى أخمص القدمين) ومن واجب "فتح" تذويت هذه النتيجة والتعامل معها حتّى الانتخابات القادمة، رغم أن "حماس" لم تعترف- قبل تولّيها السلطة-  بأية دمقراطية أو قرارات صدرت من ياسر عرفات القائد الشرعي والمنتخب، ولم تعترف بقرارات المجلس التشريعي المنتخب دمقراطيًا، بل كانت تنفّذ عمليّات وتقوم بإجراءات ضاربة عرض الحائط بالقرارات الشرعية لعرفات والمجلس التشريعي المنتخب دمقراطيًا، واليوم ثمّة من يتناسى ذلك، ولكن هذا لا يلغي أنّ "حماس" اُنتخبت، ومن حقّها قيادة المجلس التشريعي.
- وعلى المستوى الأبعد فهناك صراع بين نهجيْن، العَـلماني (أكان نسبيًا أو جوهرانيًا، مسالمًا أو هجوميًا) والأصولي، وهو صراع حقيقي قائم في مختلف الدول العربيّة والإسلامية، وهو صراع بين المستعدّين لقراءة المرحلة والتعامل مع متطلّباتها ضمن ثوابت واضحة، وتيّار أصولي يملك حقّ النقض الإلهي ولا يرى الألوان الكثيرة والمتعدّدة والفارضة ذاتها بقوّة بين اللونين الأسود والأبيض، والرفض المتبادل للـ، ومن التيّارين يشكّل خلفيّة مؤثّرة جدًا على الموقف من النهجيْن.
- وهو صراع على وجه وجوهر فلسطين، حلم كل الثوريّين والمتنوّرين وخيبتهم الموجعة- إلى حين، خيبتهم منذ تحوّلت إلى ملامح دولة عربيّة تقليديّة تراوح بين القيادة التقليدية لـ"فتح" في المرحلة الأولى، وتخلّف وأصوليّة المشهد الفلسطيني بقيادة "حماس" في المرحلة الحالية.

*   *   *


ومع العلم والتأكيد على كلّ ما هو وارد أعلاه، يجب التأكيد إلى ما لا نهاية أنّ تناقض الشعب الفلسطيني الأساسي هو مع الاحتلال وسياسات حكّام إسرائيل، وأمريكا من ورائهم، ومن أجل تجسيد هذا الشعار الصحيح وتذويته لا نستطيع عقد قمّة في شرم الشيخ مع المحتلّ- المجرم الأكبر- يتمّ التخطيط فيها لعزل "حماس"- الخصم الشديد، لا يمكن الاتفاق مع "الغريب" على "إبن عمّي"! ولا التقاط صوَر المُبتسمين في "شرم الشيخ" وطيّارات إسرائيل تقصف المخيّمات في ذات الوقت، ولا أولمرط المأزوم يدعو إلى إلغاء الحصار تدريجيًا عن الضفّة. ونحن نعلم أنّ ابن الضفّة لن يأكل مرتاحًا وأخوه في غزّة جائع، وأن مطالب الشعب الفلسطيني سياسيّة وليس مجرّد تمرير نقود وطحين هنا وهناك على أهميّتها المعيشيّة الحقيقيّة.
هناك خطأ! ولا أقول هناك خطأ ما، فالخطأ واضح، فالاحتلال ليس عنوان الاستجداء ولا الاستقواء على الخصم اللدود! الاحتلال هو عنوان الضربات والمقاومة بكافة أشكالها، وقد تكون مسلّحة وقد تكون عبر المفاوضات، المهمّ الانتهاء بأقصر الطرق- أيًا كانت- من الاحتلال- المجرم الأكبر والعدوّ الحقيقي.

* فخّ منصوب في غزّة

إنّ الفخّ المنصوب في غزّة خطير، وقدرة إحكامه متعلّقة بقدرة قيادة الشعب الفلسطيني على تجاوزه، ومن يعتقد أنّ تجويع الفلسطينيين في غزّة سيجعلهم ينقلبون على "حماس" هو واهم وأمّيّ لا يفقه التاريخ! ولا أعتقد أن إسرائيل وأمريكا لا تعرفان ذلك، بل تعرفانه بالتحديد، وتعرفان أن الانجازات السياسيّة للشعب الفلسطيني هي، هي فقط، قادرة على تقوية "فتح" ولكنّهما يتعمّدان إفشال المسار التفاوضي، وإفشال "فتح" وأبو مازن لأنّهما غير معنيّين بالحلّ! وجدير بالقراءة ما رشح من لقاء بوش- أولمرط والتوصية باستغلال ضعف "فتح" في أعقاب التطوّرات الأخيرة من أجل إجراء مفاوضات مع "فتح" "الضعيفة"!
أمريكا وإسرائيل معنيّتان بسيطرة "حماس" على سجن غزّة المعزول وتجزئة الأرض الفلسطينية (والتي تعادل مساحتها 22% من مساحة فلسطين التاريخية) إلى سلطتين أو "لا سلطتين"، ويجب تفويت الفرصة عليهما، ليس بالتعامل الغاضب- وإن كان صادقًا بالتأكيد- وإنّما بالحكمة والمسؤوليّة الوطنيّة.

* لنا تجربة متواضعة في الناصرة

لا يمكن إجراء مقارنة كاملة بين ما يجري في فلسطين المحتلّة عام 1967، وما جرى في الناصرة في العام 1998، فالصراع والمؤامرة وأحجامها اليوم أكبر بالتأكيد، ولكن من واجبنا قراءة تجاربنا السابقة ولا سيّما الفتنة الأكبر والأخطر التي مرّت بها جماهيرنا العربية الفلسطينية داخل إسرائيل- منذ النكبة، والتّي انتهكت الكثير من المحرّمات الوطنيّة ومزّقت النسيج الاجتماعي لشعبنا، الأمر الذي ما زالت آثاره موصومة حتّى اليوم.
بعد سنة من صناعة أجواء ثقيلة وخانقة من الطائفيّة حصلت "الحركة الإسلامية" على أغلبيّة مطلقة في المجلس البلدي في الناصرة، وقد كانت صدمة حقيقيّة! بعد أن كانت الجبهة قوّة أولى ومطلقة أكثر من عشرين سنة متتالية، ورغم ذلك بقيت الرئاسة جبهويّة.
كان من الممكن الخلود لقذف "الحركة الإسلامية" وخطابها الطائفي ورفض قبول وتذويت الانتخابات الدمقراطية، كان بالإمكان قول الكثير وفعل الكثير، فالألم كبير والطعنة من الخلف غير متوقّعة وموجعة، ولكنّ الخيار الأصحّ الذي ارتأته جبهة الناصرة كان إقامة ائتلاف بلدي بين المتصارعيْن تناحريًا: "الجبهة" و"الحركة الإسلامية"! هذا الائتلاف الصعب والشجاع قطع الطريق على الكثير من المؤامرات ونزع فتيل التحريض الأهوج. لم ننتهِ نهائيًا، ولكنّ الوضع اليوم أفضل والمستقبل رهن صناعة القيادات الوطنيّة والمسؤولة.
تجربة هذا الجزء من الشعب الفلسطييني أصغر بكثير من تجربة الجزء الواقع تحت احتلال الـ67، ولكنّ في ناصرة البشارة إشارة لطريق صحيح سلكناه.

*  *  *

ما جرى في غزّة مرفوض جملةً وتفصيلا، والمطلوب من قيادة "حماس" الاستنكار والعودة إلى ما قبل التطوّرات الأخيرة، وللتخصيص: إعادة كافّة المؤسّسات الرسمية والأمنيّة إلى السلطة الشرعيّة واعتبار ذلك مدخلا للشروع في حوار وطني ومسؤول بين "فتح" و"حماس" والعودة إلى التحالف على أساس اتفاق مكة لتفويت الفرصة على جميع المتربّصين من الأعداء إلى "الأصدقاء الألداد" وهم كُثر.
لا وقت للاعتباطية، "فتح" و"حماس" باقيتان لعدّة سنوات قادمة، أحببنا ذلك أم كرهناه، هذا هو الواقع ويجب انتهاج المواقف الوطنية والمترفّعة، وتحديد المعركة ضدّ العدوّ الرئيس: الاحتلال الإسرائيلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق