الثلاثاء، 14 يونيو 2011

بناء الاتحادات الشعبية وتكثيف النضال ضمن النقابات العامّة


الجمعة 7/4/2006

منذ أكتوبر 2000 وصاعدًا تكثّفت المخططات ضد الجماهير العربية، منها ما ترمي طردها من المواطنة ("التبادل السكاني" وقانون المواطنة) ومنها الهادفة إلى تكريس مكانتها المنقوصة والعبث بانتمائها الوطني (الخدمة المدنية) ومنها ما تسعى إلى تجويعها (ويسكونسين) ومنها التضييق عليها في أهم مراكز تواجدها (تهويد الجليل والنقب) ومنها ما يريد الانتقاص من انجازاتها (أبحاث لجنة الدستور البرلمانية) ومنها مخططات الترانسفير السياسي (قرارات "الأغلبيّة اليهوديّة") وغيرها .. وكل هذا عدا التحريض المنهجي (مؤتمرات هرتسليا، والإعلام بزعانفه ومواقف وتصريحات زعماء اليمين المتطرف الذين حصلوا على مليون صوت في الانتخابات الأخيرة) وغيرها الكثير من المخططات التي تنبع، كلّها، من الفكرة الصهيونية الأم" أكثر ما يمكن من الأرض وأقل ما يمكن من العرب" لمؤسسة تتعامل مع "مواطنيها" بعداء معلن ومستتر. 
ولا يمكن للجماهير العربيّة النجاح في التصدّي لكل هذه المخططات وغيرها وصوْن انجازاتها والحصول على حقوقها إلا بوحدتها الوطنيّة الديمقراطيّة الواعية، هذه الوحدة التي تتكامل بشراكتها مع القوى التقدميّة اليهودية، أو كتعبير الحزب الشيوعي في مؤتمراته وأدبياته التاريخيّة: الجماهير العربيّة (كلها) والقوى الديمقراطية اليهودية.
 هذه الوحدة لن تتم إلا باستكمال بناء المؤسسات الوحدويّة الكفاحيّة التي أرسى أسسها الأولى والأساسيّة الحزب الشيوعي ومن ثمّ الجبهة منذ إقامة الجبهة الشعبية (1958) ومؤتمرات المثقفين والمحامين والشعراء في الخمسينيات، والأطر الوحدويّة "لجنة الدفاع عن الأراضي" و"لجان الطلاب العرب" و"الاتحاد القطري للطلاب العرب" و "اللجنة القطرية للطلاب الثانويين" و "اتحاد الكتاب العرب" و "لجنة المبادرة الدرزيّة" في السبعينيات و"لجنة المتابعة" في الثمانينيات.
لا أدعي أنّني أخترع الدولاب أو أن هذه الفكرة (بناء الاتحادات الوحدويّة) قد نبتت من الحائط وإنما من تجربة الحزب الشيوعي وشعبنا كلّه، الذي أقام "اتحاد الطلاب العرب" نظرًا للخصوصيّة القوميّة ولكنّه لم يتخلّ أبدًا عن المعركة على نقابة الطلاب العامّة (بخلاف المتقلبين بموقفهم من خوض انتخابات النقابات الطلابية) ومثال ساطع آخر هو إقامة لجنة الرؤساء العرب وعدم التخلّي أبدًا عن الدور الديمقراطي في مركز الحكم المحلّي، وكان أحد أبرز مواقفنا في الفترة الأخيرة ترشيح رئيس بلدية الناصرة رامز جرايسي لرئاسة مجلس الحكم المحلّي تعبيرًا عن رفضنا التبعية وإصرارنا على إبراز موقفنا المميّز. وكذلك إقامتنا لـ"اتحاد الكتاب العرب" وبقائنا صوتًا ديمقراطيًا جهورًا وسط الكتاب اليهود والعرب وإلى جانبنا الكتاب اليهود الديمقراطيين، وكذلك بناء "اللجنة القطرية للثانويين العرب" وغيرها من الأطر التي يُجمع الجميع على أهميتها واعتبارها ارتقاء في نضال الجماهير العربيّة، ومن واجبنا تطويرها، لا إلغاؤها.

• إتحاد المعلمين العرب، مثلا.


إن أصغر طفل من شعبنا يدرك بفطرته السليمة أن قوّة المظلومين بوحدتهم، وأننا لن نستطيع التصدي لسياسة القهر القومي دون وحدتنا، وأن وحدتنا كمضطَّهَدين لا تملك أي امتياز إلا أن تكون تقدميّة على المستوى القومي، ولكنّا في الوقت ذاته نناضل ضمن النقابات والأطر العامّة من أجل دفعها باتجاه مواقفنا العامة في قضايا السلام والديمقراطية والعدل الاجتماعي، وننتمي لحزبٍ وجبهةٍ عربيين يهوديين يناضلان في الساحة الإسرائيلية عامةً وعليها، وهذا ما ميّزنا، وما يجب أن يبقى.
وهنا أتساءل بوضوح، لماذا لا نبني اتحادا للمعلمين العرب؟ (المضطهَدين حتى الصميم في ثقافتهم وكرامتهم القوميّة والذين يخرّجون عشرات آلاف الطلاب العرب سنويًا، طلابًا يعرفون عن هرتسل أكثر من توفيق زيّاد!!) ونبقى، في الوقت ذاته، أعضاءً كاملين ومثابرين في نقابة المعلمين العامّة (نناضل في النقابات العامّة، كما تناضل كتلنا اليوم بشكلٍ مثابر، من أجل الديمقراطية بشكل عام ومن ضمنها قضايا التعليم العربي ومن أجل رفع الأجور وتحسين الظروف...) وكذلك في مختلف الأطر النقابيّة، وهكذا نربط بشكلٍ خلاق وشمولي بين القومي والطبقي وهذا ما يميّزنا عن غيرنا، أيضًا.
وأتساءَل في مجال المعلمين: هل يجب أن ننتظر إنهاء الاحتلال وهبوب رياح الديمقراطية والتسامح حتى تقتنع نقابة المعلمين العامّة بحقوقنا القوميّة وحقّنا في تخريج طلاب ناصعي الانتماء موفوري الكرامة؟! بإمكاننا، عن طريق إقامة "اتحاد المعلمين العرب"، تقليص الزمن الثمين حتى ننتزع حقوقنا في هذا المجال الهام جدًا الذي يخرّج عشرات الآلاف من أبناء شعبنا سنويًا؟! وبإمكاننا إذا تقاعسنا فكرًا وممارسة بعدم بناء الاتحاد أن نرتكب خطأ فادحًا بحق الألوف المؤلفة من الشبان والصبابا الذين يغرس بهم المنهاج الإعجاب بالقيادة "الصادقة والمخلصة" للحركة الصهيونية ومئة المصطلح الصهيوني والاغتراب عن اللغة العربيّة الرائعة واعتبارها أصعب اللغات!! وغيرها..

• مطوّر أساس للجنة المتابعة


الاتحادات يجب أن تكون ممثّلة في لجنة المتابعة إلى جانب رؤساء السلطات المحلية ومنتخبي الجمهور من أعضاء كنيست وهستدروت..وبذلك نجد حلا خلاقًَا لإشكالية التنظيم البدائي للجنة المتابعة وسيطرة رؤساء المجالس المحليّة المعروفين ببرغماتيتهم (المفرطة أحيانًا) وكوْن جزء كبير منهم منتخبا بشكلٍ عشائري أو طائفي أو جهوي أيًا كان، وفي الوقت ذاته نجد توازنًا بين الوطني المجرّد والمطلبي المجرّد، حيث أن رؤساء السلطات المحلية هم الأكثر واقعيّة وقريبون من الناس وهم قادرون على تنفيذ جزءٍ كبير من الإجراءات النضالية الحقيقيّة (الإضراب مثلا) وبهذا نختلف بالرأي مع الطوباويين الذين يريدون تقوية لجنة المتابعة دون إشراك رؤساء السلطات المحلية فيها!! ولكن بوجود الاتحادات، إضافة للهيئات الموجودة حاليًا، بإمكاننا إنجاح الإجراءات النضالية بشكلٍ أنجع وأشمل وأقوى حيث تمتد الإجراءات إلى مختلف القطاعات (من يجرؤ على فصل معلم منظّم في اتحاد يحميه؟! فمثلا إذا أضرب المعلم على خلفيّة وطنيّة فاتحاد المعلمين سيقوم بإجراءات احتجاجية تؤلم الوزارة!! ولكن بدون هذا الاتحاد فيمكن الفصل أو العقاب دون رد فعل كافٍ) وتجربتنا مع النقابات العامّة وعلى رأسها الهستدروت مريرة (مثال بارز هو موقف الهستدروت السلطوي ضد العمال العرب المضربين في يوم الأرض) حيث أن القضايا الخاصة بالأقلية القومية ليست على جدول اهتمامها على أحسن حال أو أنّها تتواطأ مع السلطة، علنًا، ضدّها وهذا غالبًا ما يحدث!!
(في هذا المقال لن يتاح لي إبداء موقف تفصيلي عن بناء لجنة المتابعة، وإنما أتركّز فيه في فكرة بناء الاتحادات فقط.)

• للتحديد


1. هذه الفكرة، بعكس دلال الطروحات النخبويّة، خارجة من رحم شعبنا وتجاربه، وهي ليست كل شيء، وإنّما جزء من كل، والكل يشمل توجها عربيًا يهوديًا كفاحيًا ضمن الجبهة الديمقراطية ويشمل وضع قضية الجماهير العربيّة ضمن سياقها في قضايا السلام والديمقراطية عامّة والتقدم الاجتماعي وليس بعقليّة البُعد الواحد، وهذه إحدى الركائز القويّة في هذا الطرح، وهو ما ينقص غيرنا.
2. الطرح شعبي قاعدي يتنفس من رئة الحاجة الموضوعيّة الكفاحية للجماهير، وليس نخبويًا يسعي إلى تنظيم الأقليّة القوميّة من فوق!
3. نرفض التخلّي عن دورنا المميّز والهام ضمن النقابات العامّة والهستدروت، لأنّنا نرفض التقوقع والتخلّي عن النضال من أجل التأثير على الخطاب السياسي الاجتماعي العام، ولأن لنا انجازات تراكميّة هامّة في هذه النقابات وأداء رائعًا لكتلتنا في الهستدروت. قبل 100 سنة وصف لينين تكتيك "اليساريين" بمقاطعة النقابات التوفيقيّة أو الرجعيّة "بالهراء الصبياني المضحك" وصفًا ما زال صالحًا ودقيقًا في سنة 2006.
4. في الوقت ذاته، لا نستطيع الاعتماد فقط على النقابات العامّة التي خذلتنا في قضايانا الخاصة طوال الطريق (58 عامًا)، فكما أننا لا نريد أن نربح أنفسنا ونخسر العالم (الوجود في الاتحادات فقط) فنحن لا نريد أن نربح العالم ونخسر أنفسنا(الوجود في النقابات فقط) فالمعركة يجب أن تكون في الاتجاهين؛ النقابات والاتحادات.
5. لا يختلف اثنان أن لجنة المتابعة (والتي هي مهمّة جدًا بوضعها وتركيبتها الحاليّة) بحاجة دائمًا إلى تطوير في أدائها وتمثيلها، لذا فوجود ممثلي الاتحاد فيها(كما أن رئيس الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب عضو فيها اليوم) يعكس وحدة شعبية نضالية لجماهيرنا ستخلق توازنات في مصلحة قضايانا. كما أن إمكانيات مشاركة وتفاعل أوسع الحلقات سيكون أكبر بالتأكيد.
6. جماهيرنا لا تملك قوّة ردع كافية في معركتها على المساواة بخلاف المعركة على السلام التي يسدّد فيها شعبنا الفلسطيني ضربات تصيب المحتل في العتاد والأرواح، ولذا سيضطر المحتل إلى الانسحاب نحو السلام، بينما في معركة المساواة فاعتمادنا الأساسي اليوم على الوازع الأخلاقي والنظري الصحيح (لن تكون الدولة ديمقراطية إذا لم تعط العرب حقوقًا) وهذا لن يكفي في معركة المساواة، ولذا فعلينا بناء الاتحادات التي ستساهم في تدعيم النضال الذي سيصل حتمًا، ببناء الاتحادات الشعبيّة، إلى أساليب نضال مدنية توجع المؤسسة والشرَك العنصريّة.
7. ما طرحته هو استكمال لنهج الحزب الشيوعي في سنوات السبعينيات، ولكنّه، للأسف، لم يتطوّر حتى الآن، ومن واجبنا تطويره، لأن الحزب والجبهة هما الإطاران الأساسيّان القادران على وضع الاتحادات في سياقها العام استكمالا وتداخلا مع معركة السلام والديمقراطية والتقدّم الاجتماعي، وسيجد من يعارض فكرة الاتحادات إشكالية في إقناع ذاته بالموافقة على وجود "اتحاد طلاب عرب في الجامعات" ولجنة طلاب ثانوية عرب" واللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية" و"اتحاد الكتاب العرب" وبعدم الموافقة على بناء "اتحاد معلمين عرب" مثلا، فإما أنّه مع تلك وهذا وإما أنه ضد تلك وهذا.
8. إقامة الاتحادات تعزز الوعي السياسي عبر العمل الشعبي لمنع حصر السياسة في الأداء البرلماني فقط. ناهيك أن هذه الانتخابات كشفت مواطن ضعف تجلّت في ابتعاد الناس أكثر عن المشاركة السياسية.
9. الاتحادات الشعبية هي أداة إضافية لتأكيد الوطني المشترك والمصالح الحقيقية للناس، وتاليًا محاصرة النزعات الانغلاقية الدينية-الغيبية والطائفية والإقليمية وسائر الجهويات.
10. يمكن الإشارة إلى الفرق الشاسع بين توجه إقامة الاتحادات وبين صناعة إقامة الجمعيات! فالجمعيات التي تؤدي دورًا مهنيًا هامًا ينقصها البعد الشمولي والشعبي وهي مرهونة بالصناديق العالمية التي قد تغلقها في كل لحظة، بينما الاتحادات المبنية على حاجة جماهيرنا تبقى مرهونة بهذه الجماهير واحتياجاتها.
11. تبقى مساندة قوى تقدمية يهودية لنضال شرائح الجماهير العربيّة المؤطرة في "الاتحادات" مسألة حاسمة لإحداث تغييرات بنيويّة، وهذه القوى التي تناضل إلى جانبنا داخل النقابات تناضل إلى جانبنا، في الوقت ذاته، حتى وإن لم تكن مؤطرة في هذه "الاتحادات".
12. أجد من الضرورة التنويه بأن هذه الاتحادات لا يمكن أن تكتسب أبعادها الوحدوية الكفاحة بدون حزب وجبهة قويين. ومن نافل القول إن الحزب السياسي (الحزب والجبهة أساسًا) هو الأساس فهو صاحب النظرة الشمولية وهو الموجه لأعضائه في الاتحادات كما يفعل في النقابات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق