الجمعة، 24 يونيو 2011

عن الخدمة المدنية، مرّة أخرى





أيمن عودة
الجمعة 24/6/2011

إلى بنات وأبناء شعبي الذين شاركوا في مؤتمر مديرية "الخدمة المدنية" هذا الأسبوع
 في مدينة عكا

لقد سمعت، عبر وسائل الإعلام، عن مؤتمر "الخدمة المدنية" الذي عقدته الحكومة هذا الأسبوع في مدينة عكا. واستمعت كذلك إلى خطيبَي المؤتمر: "حسن الهيب" الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي و"سار شالوم جيربي" السكرتير العام السابق لحزب "المفدال" والمدير الحالي لمديرية "الخدمة المدنية". واستمعت إلى وصمهما "لجنة المتابعة" و"لجنة مناهضة الخدمة المدنية" بالتطرّف. وإثرَ ذلك رأيت من المناسب أن أوّجه لكنّ ولكم هذه الكلمات من القلب والعقل إلى القلب والعقل.
هذه عشرٌ من ركائز رفض المشروع الحكومي - "الخدمة المدنية"، ومن رغب أو رغبت منكم أو منكنّ محاورتي أو الاستزادة في المعلومات، فيشرّفني أن أجلس معه أو معها وأشرح الموقف كما يليق بأشخاص يحترمون عقل وتفكير بعضهم ويهمّهم المصلحة الوطنية والشخصيّة لكلّ واحد وواحدة من أبناء وبنات شعبنا.

1. البداية:
لا بدّ أنكم تذكرون وتذكرنَ "لجنة أور" التي أُقيمت في أعقاب "يوم القدس والأقصى" واستشهاد ثلاثة عشر ضحيّة من أبناء جيلكم/نّ، لا ذنب لهم سوى أنهم عربٌ تظاهروا نصرة لشعبهم الواقع تحت الاحتلال وقد حاولوا التأثير كمواطنين. وبعد ثلاث سنوات أصدرت اللجنة توصياتها، وكان منها التوصيات الإيجابية وفي صُلبها تبنّي روايتنا حول التمييز التاريخي وضرورة "المساواة المدنية"، وكذلك القول "إن الشرطة تتعامل مع العرب كأعداء وليس كمواطنين" والاعتراف بأنّ "الشرطة تنمّي ثقافة كذب". وبالمقابل فإن "لجنة أور" أوصت بألاّ حقوق جماعية للمواطنين العرب، و"لجنة أور" قطعت حبل المسؤولية عن قتل الشباب الـ13 عند هذا الشرطيّ أو ذاك، وبهذا برّأت أصحاب الأوامر الصادرة من النوافذ العُليا، و"لجنة أور" أعاقت عمل "ماحش" (وحدة التحقيق مع الشرطة)، ممّا أفضى - في النهاية - إلى إغلاق كلّ الملفات وعدم تقديم أيّ من القتلة إلى المحاكمة! في حينه اجتمعت "لجنة المتابعة" التي تضمّ كلّ أعضاء الكنيست العرب. فهل اعتبرت قرارات "لجنة أور" سلبيةً أم إيجابية؟ قرّرت "لجنة المتابعة" أن "تقرير لجنة أور وثيقة رسمية هامّة يجب تنفيذها"! 
الحكومة ادّعت أنها مهتمّة بتنفيذ توصيات "لجنة أور"، فأقامت لجنة حكومية أسمتها "لجنة لبيد" على اسم رئيسها "طومي لبيد"، وأعضاؤها هم: بيني إيلون من حزب "هئيحود ليئومي" (أحد مركبات حزب ليبرمان اليوم!) وإيفي إيتام (من حزب الـ"مفدال" اليميني المتطرّف) وجدعون عزرا وتساحي هنغبي (وكلاهما من الليكود في حينه).
فهل تعتقد/ين أن هذه اللجنة بأعضائها العنصريين يُمكن أن تنصف المواطنين العرب أو أنها أُقيمت، أصلاً، من أجل إنصافهم؟!
أختي وأخي، هذه اللجنة هي التي قرّرت أن يخدم الشباب العرب في "الخدمة المدنية" وقد طالبت (وأنا أقتبس حرفيا) "بتوسيع دائرة المتطوعين من "الخدمة المدنية" إلى الشرطة والجيش وأُطُر أمنية أخرى"! (من أجل التأكد يمكنك أن تدخل/ي وتقرأ/ي توصيات لجنة لبيد عن طريق "غوغل") فهل ترى/ين، الآن، أن من واجب قيادة الجمهور العربي (التي وافقت، ضمنيًّا، على توصيات "لجنة أور" الإشكالية) أن توافق على هذه التوصية؟! بالطبع أنتَ لا تقبل وأنتِ لا تقبلين.
وهكذا أصدرت "لجنة المتابعة" بيانًا لها رفضت فيه هذه التوصيات الصادرة عن عنصريين معادين لمجرّد وجودنا في وطننا، ولاحقًا أقامت "الجنة لمناهضة الخدمة المدنية وكلّ أشكال التجنّد".

2. أختي وأخي، من المعروف أن "الخدمة المدنية" هي جزء من وزارة "الرفاه" في كثير من دول العالم، ولكن في دولة إسرائيل اختاروا أن تكون جزءًا من "وزارة الأمن" وذلك عام 2005، فلو كنت أنت مكان قيادة الجمهور العربي، فهل كنت توافق/ين على ذلك أم تنشر/ين بيانًا تحذّر/ين الشباب العرب من هذه المصيدة؟!

3. وزير "الأمن" في حينه هو شاؤول موفاز، الذي قاد طيلة السنوات الماضية أبشع المجازر بحق أبناء شعبنا ومنها عملية "السور الواقي" التي اجتاح فيها مخيّم جنين مرتكبًا أفظع الجرائم ضدّ الإنسانية. هذا الوزير اهتم كثيرًا بموضوع "الخدمة المدنية" للشباب العرب، فأقام "لجنة عبري" لفرضها على المواطنين العرب. وهذه اللجنة سُمّيت على اسم رئيسها "دافيد عبري" المدير التاريخي لوزارة "الأمن"! أمّا أعضاء هذه اللجنة فهم سبعة عشر شخصًا، معظمهم من الجيش والشرطة، والآخرون (ثلاثة أشخاص) من وزارات تساعد "وزارة الأمن" في كلّ ما يتعلق بقانون الخدمة العسكرية الإلزامية! أمّا العرب (أصحاب الشأن!) فلا ممثل لهم في هذه اللجنة التي تدّعي أنها تعمل لمصلحة الشباب العرب! فهل كنت توافق/ين على هذه اللجنة وتركيبتها، أم كنت ستوافق/ين مع "لجنة المتابعة" التي أصدرت بيانًا رافضًا لهذه اللجنة "الأمنية" ومنطلقاتها؟!

4. أختي وأخي، إن كلّ مجموعة قومية أو أيّ مجموعة إنسانية تحترم ذاتها وكرامتها وعقلها، لا تقبل بأن يزايد عليها أحدٌ بأنه يفهم مصلحتها أكثر منها! فلسنا قاصرين أو من الذين "لا حرج عليهم" حتى يأتي آخرون ويقرّرون لنا، رغمًا عنّا. وأكثر من ذلك، فهم يدّعون معرفة مصلحتنا أكثر منّا. وهذه نقطة هامّة جدًّا، فما معنى أن يأتي أعضاء كنيست من اليمين (ومنهم من يدعو علنًا إلى تهجيرنا) ومن الجيش (ومنهم من ارتكب جرائم فادحة ضدّ أبناء شعبنا) ويدّعون أن "الخدمة المدنية" جيّدة للعرب وسنفرضها رغمًا عن القيادات العربية المنتخبة ديمقراطيًّا من جمهورها؟! فهل تقبل وتقبلين هذا المنطق، أم لو كانت النوايا حسنة لجرت المباحثات من أجل إخراج مشروع يرضى به المواطنون العرب كما يرضون بوجود مراكز تابعة للدولة في قراهم ومدنهم، مثل السلطات المحلية والمراكز الجماهيرية وصناديق المرضى. فنحن نتعامل مع مؤسسات الدولة ونعتبر ذلك حقًا لنا، ولسنا رفضيّين لمجرّد الرفض.  
قال الشاعر العربي: "عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قرينه / فكلّ قرينٍ بالمقارَن يقتدي"، وقالت الناس: "قُلْ لي من صديقك أقُلْ لك مَن أنت"! فهل تعلم وهل تعلمين من هم أشدّ المتحمسين للـ"خدمة المدنية" للشباب العرب؟! هم غُلاة اليمينيين، أمثال ليبرمان الذي دعم جمعية عربية تروّج للخدمة المدنية بخمسين ألف شاقل (سنة 2009)! فهل هذا الذي يعمل على التخلّص من المواطنين العرب يريد مصلحتهم حقًّا؟!

5. عام 2005 اجتمع رئيس الحكومة، أريئيل شارون (صاحب التاريخ الدموي البشع) إلى رؤساء السلطات المحلية العربية في مدينة الناصرة، وأفرد شارون جزءًا كبيرًا من كلمته لموضوع "الخدمة المدنية"، معتبرًا إيّاها "الواجبات" الافتراضية التي على الشاب العربي أن يقدّمها مقابل حصوله على الحقوق. هذه الجملة ذكرها رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرط، في محاضرتيه في مؤتمر هرتسليا السنوي (2007 و 2008). وقد كرّر ذلك الكثيرون بعدهما. فما وراء هذا الموقف؟
من الواضح لنا، وكذلك لحكّام إسرائيل، أنّ "الخدمة المدنية" لا تجلب المساواة، فالعرب الذين يخدمون عسكريًّا، وفي وحدات الجيش القتالية، لا يحصلون على الحقوق في "دولة اليهود"، بينما اليهودي الذي لا يخدم في الجيش مثل المتدينين يحصل على كامل الحقوق، ويحصل في ميزانية الدولة على هبات أكثر من اليهودي غير المتديّن - هنا نقصد الحقوق القومية والمدنية، وليس الاقتصادية؛ حيث تسيطر حفنة صغيرة على معظم موارد الدولة ويعمّقون الفجوات الاقتصادية بين المواطنين.
أختي وأخي، هم يعرفون أنّ "الخدمة المدنية" لا تؤدّي إلى الحقوق، ولكنّهم يستعملون هذه الحجّة من أجل الإلقاء بمسؤولية التمييز علينا، نحن - ضحيّة هذا التمييز، بينما الحقيقة الساطعة لسان حالها يقول: إنّ الدولة هي المسؤولة وهي التي تمارس هذا التمييز المنهجي ضدّنا.

6. يوم 25.07.2010 دعا رئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، إلى فرض "الخدمة المدنية" على الشباب العرب. (لماذا يتدّخل رئيس أركان الجيش في "خدمة بريئة" في المؤسسات المدنية!) وهذا التصريح هو جزء من مسلسل تصريحات لرؤساء أركان الجيش، بدءًا من دان شومرون، مرورًا بإيهود براك، وانتهاء بغابي أشكنازي؛ فهم يريدون تحويل الجيش من "جيش الشعب" إلى "جيش صغير وذكي"؛ لأن أساليب الحرب تغيّرت بعد الثورة التكنولوجية. هم ليسو بحاجة إلى هذا العدد الكبير من الجنود، و"الخدمة المدنية" هي جزء من بناء "الإسرائيلي الجديد" وتقوم بالخدمات في الجبهة الداخلية، خصوصًا في أوقات الحرب. وذلك بعد أن قلّت أهمية الجيش الكبير في "بوتقة الصهر" و"بناء الأمّة الإسرائيلية". فهل ترضى/ين بهذا الارتباط مع "الأمن"؟ وهل ترضى/ين بهذا البناء للأمّة الإسرائيلية الذي يشوّه انتماءك الوطني، ويشوّه كذلك المفاهيم المدنية فيلطّخها بالعسكرية؟! من المناسب - هنا - أن أقول لك إنّ "الحرس المدني" (اُنظر/ي إلى اسمه "المدني") أُقيم بعد عملية فدائية سنة 1974، وكان يهدف إلى القبض على الفدائيين، ومقرّاته الدائمة هي داخل مراكز الشرطة، فلماذا يُسمّى مدنيًّا بدلاً من أن يُسمّى أمنيًّا.

7. هل تعرف أيها الشاب وهل تعرفين أيتها الشابة أنّ الذي يخدم "خدمة مدنية" يحصل على مستند "جندي مسرّح!" وهذا مثبت. ونحن نملك نماذج من هذه المستندات. ولكنّه بعد أن يحصل على هذا المستند يكتشف أنه لا يحصل إلاّ على فتات الهبات التي يحصل عليها جنديّ، وعلى فتات الفتات الذي يحصل عليه جنديّ من الوحدات القتالية! (اُنظر/ي إلى كرّاس معايير الهبات للجنديّ القتاليّ والجنديّ العاديّ و"الخدمة المدنية").

8. هل تعلم وهل تعلمين أنّ الحكومة قدّمت اقتراح قانون، جاء فيه أنّ الجمعية التي يحقّ لها قبول خادمين في "الخدمة المدنية"، يجب أن تعترف بأنّ إسرائيل "دولة يهودية وديمقراطية"، نعم! تستطيع وتستطيعين قراءة ذلك في البند الـ 53 من اقتراح القانون الحكومي. ويتساءل كلّ عاقل: ما دامت "الخدمة المدنية" تطوّعًا بريئًا، فلماذا يجب أن توقّع الجمعيات على قوانين الولاء لدولة إسرائيل اليهودية؟! حقًا، لماذا لا يكون التطوّع مدنيًّا خالصًا للمجتمع من دون تسييس؟! وهنا يجادلنا البعض بالسؤال: لماذا نرفض خدمة الشباب في المستشفيات على سبيل المثال؟ ولكنّ السؤال الأساسي هو: لماذا يجب أن تُربط "يهودية الدولة" بمن يخدم في المستشفيات؟! هذا هو السؤال الموجّه إلى حكومة إسرائيل، أمّا العمل التطوّعي لخدمة المستشفيات والمرافق كافّة، فنحن أوّل من يؤيّده.

9. لننظر معًا، أختي وأخي! متى كانت تنطلق مشاريع "الخدمة المدنية" للشباب العرب؛ فكان ذلك، أوّل مرّة، في شهر أيّار 1976 بعد المشاركة الشبابية الرائعة في "يوم الأرض"، وكان ذلك من إعداد الوزير موشيه كول، وكانت المرّة الثانية عام 1988 بعد التهاب الشعور الوطني في أوج الانتفاضة الأولى، وقد قدّم الاقتراح، حينها، البروفسور الترانسفيري أرنون سوفير، والمرّة الثالثة والحالية، جاءت بعد "يوم القدس والأقصى" الذي خرج فيه الشباب عن بَكرة أبيهم، في كلّ قرية ومدينة ليؤكدوا أنهم جزء من الشعب الفلسطيني الذي يُقتل في القدس والضفة وغزة وأنهم مواطنون يسعون للتأثير. فجاء الاقتراح الحكومي في "لجنة لبيد" التي وُكِل إليها تنفيذُ توصيات "لجنة أور" الخاصّة بأحداث "يوم القدس والأقصى". وإذا كنت لا تزال/ين تعاند/ين وتكابري/ين في فهم هذا التحليل الواضح، ألفت عنايتك إلى نصّ صريح في تقرير "مجلس الأمن القومي" (2006)، حيث جاء في الصفحة الـ 45 في البند الـ (13) - وهنا أقتبس حرفيًّا -: "إنّ مجلس الأمن القومي هو الذي صاغ مواقف لجنة لبيد وهي تبنّتها بالكامل". أبَعد هذا التقرير "الأمني الإسرائيلي" الفاضح والواضح، ما زال شكٌ يراودك؟!

10. من هو الشاب الناجح؟ ومن هي الفتاة الناجحة؟
أختي وأخي العزيزين، أريد أن أسألك أنت وأهلك السؤال التالي: مَن الأنجح على المستوى الشخصي، هل هو أو هي الذي أو التي يذهب أو تذهب إلى الجامعة للتعلّم ويتخرّج أو تتخرّج بشهادة تساهم في عمله/ا ونجاحه/ا، أم الذي أو التي يخدم أو تخدم "خدمة مدنية" ويحصل أو تحصل على 600 شاقل شهريًّا، ويتخرّج أو تتخرّج بعد سنتين ناسيًا أو ناسيةً ما تعلّمه أو تعلّمته، بعيدًا عن أجواء التعليم، فيبدأ أو تبدأ حياته/ا بخطوات متعثرة تسيء إلى مستقبله/ا أيّما إساءة؟! ومن الأنجح، هل هو الذي يضيّع من شبابه الغالي سنوات في السُّخرة (العمل بلا أجرة)، أم الذي يذهب لتعلّم مهنة، مثل النجارة أو الحدادة أو إصلاح السيّارات وغيرها، وتجده يبني بيته، بينما أنت لم تدّخر شيئًا ولم تتعلّم مهنة؟!
الجواب واضح تمامًا؛ اِذهب وتعلّم، أو اعمل وابنِ مستقبلك، وابتعد عن هذه المشاريع الحكومية التي تؤدّي بك إلى الفشل الشخصيّ، هذا غير تشويه انتمائك الوطني بارتباطك بهذه المشاريع الملوّثة مع وزارة "الأمن" الإسرائيلية المعادية لأبناء شعبك في كلّ مكان.
ألا تعرف وألا تعرفين أنّ 92% من الخادمين هنّ خادمات! والسبب هو الوضع الاقتصادي الصعب، وإغلاق أماكن العمل، وبُعد المؤسسات الحكومية، وصعوبة عمل المرأة العربية في البناء والخدمات، التي تضمّ 70% من أبناء شعبنا! إذًا، فهم يستغلّون ضيق الوضع المعيشي الذي تسبّبه الحكومة ذاتها، من خلال عدم توفير أماكن عمل، من أجل الزجّ بفتياتنا في "الخدمة المدنية". وما نتوقّعه من ابنة شعبنا أن تصرخ صرخة الحرائر: "لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها"؛ كما تعلّمتم/نّ في درس اللغة العربية عن والدة الشاعر عمرو ابن كلثوم، التي هكذا أجابت والدة الملك عمرو ابن هند، حين حاولت إهانتها. 

* * *

أختي وأخي! سواء أكنت ممّن شارك/ت في مؤتمر عكا، أم من الجمهور الواسع، يسعدني أن تبعث/ي إلى بريدي الإلكترونيّ الخاصّ aymanjabha@gmail.com  أيّ استفسار، أو طرح أيّ نقاش حول الموضوع، وأن نكون على اتصال، حتى نصل، معًا، إلى الموقف الصحيح، من أجل مصلحة شعبنا، والقيم الوطنية والديمقراطية أساسًا، ومن أجل مصلحتك الشخصية! متمنيًا لك كلّ النجاح.

باحترام
أيمن عودة
رئيس لجنة مناهضة "الخدمة المدنية" وكافة أشكال التجنّد
لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب في إسرائيل

الاثنين، 20 يونيو 2011

مساهمة في النقاش حول الهوية الفلسطينية





الجمعة 6/5/2011

* الإدعاء الرئيس في هذه المقالة هو أن الحركة الصهيونية أجّلت بلورة هوية فلسطينية مستقلّة *


تستدعي انتباهي مقالات بروفيسور مروان دويري لصبوِها تقديم الجديد، فكرًا وتحليلا، وكثيرًا ما أتفق معه، ولكن هذه المرّة لي اجتهاد آخر.
يقول بروفيسور دويري في مقالته الهامة ("الاتحاد" 29.04.2001) "وهكذا أيضا صُنع الشعب الفلسطيني من خلال سيرورة مواجهة مع الصهيونية، فتم تحشيد أناس من جذور إثنية وطائفية وجغرافية وراء رواية فلسطينية ومن أجل قضية ووطن."
ورأي بروفيسور دويري هو رأي سائد بين مفكرين وباحثين فلسطينيين وإسرائيليين أمثال ماهر الشريف، عزمي بشارة، مئير بعيل. ومنهم من يعتبر الحركة الصهيونية هي المبلور الأساس للهوية الفلسطينية وأنه لم يكن هناك شعب فلسطيني، فيتعاملون مع هذه التحاليل كجُمل مبنية وتلقائية باعتبارها قاعدة ثابتة للكثير من التنظيرات التي تُبنى عليها. وأجدني موافقًا على أن الصهيونية أجّجت الهوية الفلسطينية في أبعاد عدّة من خلال المواجهة المستمرّة، وهكذا أيضًا صيغت الكثير من الهويات الوطنية والقومية في مرحلة الصراع مع الاستعمار/ العدو/ النقيض، ولكنّي أدّعي في مقالي هذا أن هذا التفاعل والتأجيج لا يمكنه أن يفسّر، وحده، نشوء وتطوّر الهوية الفلسطينية، بل أكثر من ذلك أدّعي أن الحركة الصهيونية ساهمت في تأجيل بلورتها.

* بناء الهويات الوطنية.

الهوية القومية عمومًا هي هوية جديدة أنتجتها الحداثة وهي بدورها تعيد إنتاج الحداثة، ويشير الفكر الماركسي إلى مركزية البُعد الاقتصادي في ذلك ويرى أن عملية نشوء الأمم في أوروبا الشرقية بدأت قبل نشوء مرحلة الأسلوب الرأسمالي للإنتاج وارتبطت بالنضال ضد الظلم القومي بينما لم يكن الأمر هكذا في أوروبا الغربية. إذًا فالعملية الاقتصادية هي الأساس ويرفقها عمليات أُخرى، مثل تلاقي الرأسمالية وتكنولوجيا الطباعة وأهميتها الفائقة في تعزيز اللغات المحلية على حساب اللاتينية وهي التي أرست ضروب الوعي القومي الأوروبي كما يبيّن لنا بندكت أندرسن في كتابه الجدير "الجماعات المتخيَّلة". 

* هوية فلسطينية تاريخية ودينامية.

الهوية الوطنية الفلسطينية بأبعادها الحالية تبلورت حديثًا، واسم فلسطين المنقوش في المسلّة المصرية (عام 3500 ق.م) يعبّر عن هويّة ما تموّجت وتعثّرت وتبلورت بأشكال عدّة مرورا بالفلسطينيين الشعراء والأدباء والمفكرين مثل أبي اسحق الغزّي وكشاجم والقيسراني والرملي والشافعي وغيرهم، حتى نهاية القرن الثامن عشر حيث بدايات بلورة الهوية الفلسطينية الحديثة ومركزها القدس كما يشير رشيد الخالدي، ولكنّها تعزّزت في القرن التاسع عشر، أي قبل عشرات السنين من المؤتمر الصهيوني الأوّل (1897) وأسوق هنا مثلا ردّ فيه محمد علي باشا في العام 1839 على ثورة الفلسطينيين ضدّه (1934) حيث خاطبهم: "يا أبنائي، إننا جميعًا أمة واحدة من الآن وصاعدًا يجب أن لا يقول أحد منا: أنا مصري، أو أنا فلسطيني. فلنا جميعًا عقيدة واحدة ورأس واحد، وتلزمنا الوحدة..." هنا محمد علي باشا الشخصية الأهم في تلك المرحلة والمطلع على حيثيات الأمور يريد استمالة الفلسطينيين فيخاطبهم بما يحبّون: "فلسطيني" وليس شاميّا أو جنوبَ سوريّ أو مقدسيّا ألخ...
والهوية الفلسطينية، كأي هوية، هي دينامية وليست مفهومًا جامدًا او ميكانيكيًا أبدًا، فقبل النكبة وإلى حدّ بعيد حتى يومنا هذا. أي ونحن في حدود دولة إسرائيل ومنقطعون عن دول عربية عديدة منذ 62 عامًا، ما زال الفلسطيني ابن الجليل أقرب، بمفاهيم هويّاتية عدّة إلى ابن الشام وبيروت منه إلى الفلسطيني ابن النقب. وكذلك ابن النقب بقربه، بمفاهيم عدّة، إلى ابن السعودية، من قربه إلى الفلسطيني ابن الجليل. ولو أن أي من سايكس وبيكو أخطأا عمدًا أو سهوًا فلربما كانت عشرات القرى في فلسطين أو في الدول المجاورة وطوّرت هويّة خاصّة بشكل تلقائي. (على فكرة، لأن قلم الرصاص الذي خطّ فيه اسحق رابين الحدود في رودوس كان غليظًا فلمس قرية صندلة فتقرّر لاحقًا أن تكون القرية داخل الخط الأخضر). 

* تزاحم بين الهوية الوطنية والقومية.

أدّعي أن الهوية الفلسطينية أخذت بالتبلور إلى أن اعترضت طريقها الحركة الصهيونية، فوجدت نخب فلسطين السياسية والثقافية أن الأفضل هو توسيع دائرة المواجهة مع الصهيونية من البُعد الوطني المحلي إلى البُعد القومي العربي، وقد تعزّز هذا التوجّه على أثر وعد بلفور (1917) واعتبار بريطانيا فلسطين "وضعًا خاصًا" فأرادها الفلسطينيون "وضعًا عامًا". ففي المؤتمر القومي الفلسطيني الأول (1919) رفض المؤتمرون المقولة الرائجة "فلسطين للفلسطينيين" وقرروا بدلا منه شعار "فلسطين جنوب سوريا". ولنقرأ ما يكتبه خليل السكاكيني في مذكراته: "قررنا في جلسة أمس أن نحيل اسم فلسطين إلى سوريا الجنوبية.. وبهذا نبطل مذهب "فلسطين للفلسطينيين"" (دعوة فلسطينية من كبار الساسة إلى تغيير اسم البلد!) وتجاوب مع هذا النداء المؤتمر السوري (1920) متخذًا قرارًا تاريخيا يعلن عن استقلال سوريا بحدود تشمل فلسطين". ويكتب خليل السكاكيني في مذكراته اليومية: "في الطريق التقينا بشكري أفندي التاجي، وهو من الذين يدعون لأن تكون "فلسطين للفلسطينيين" فتناوله أبو الفضل (محمد إسعاف النشاشيبي) وقرّعه تقريعًا أليما، وقال إن فكرة "فلسطين للفلسطينيين" ليست إلا فكرة صهيونية!!" إلى هذا الحدّ كانت نُخب فلسطين تهرب من التعريف الفلسطيني وتؤكد الانتماء والبُعد السوري والعربي من أجل توسيع بيكار المواجهة مع الحركة الصهيونية.
إذًا فإن الحركة الصهيونية وإن كانت قد أجّجت الهوية الفلسطينية المحلية عبر الصراع معها وأذكر الثورات 1929 و1936 وإرهاصاتهما الاقتصادية والأدبية – وهذا ما أوافق عليه- إلى أنها في الوقت ذاته أدّت إلى التشديد الفلسطيني على البُعد القومي لا الوطني كسائر الهويات العربية الإقليمية. ونجد أن شعبنا، ورغم النكبة ومؤامرة الحكام العرب في الـ36 الذين أوقفوا الثورة مراعاة لـ"حليفتنا العظمى بريطانيا" (بهذا النصّ حرفيًا طلبت الأنظمة العربية من الفلسطينيين وقف الثورة) وكذلك مؤامرة الأنظمة العربية في العام 48، فقد ظلّ الفلسطينيون مرتبطين، كل الارتباط بهذا البُعد، إلى درجة أنه بعد مرور سنوات على النكبة لم يُقم الفلسطينيون إطارا سياسيا خاصًا بهم، بل انضم غالبيّة سياسييهم إلى الحركات القومية كـ"البعث" و"الناصرية" و"حركة القوميين العرب"، إلى هذه الدرجة أدّت الحركة الصهيونية إلى تأجيل بلورة الهوية الفلسطينية كهوية مستقلّة.

* الدولة الوكيل الرئيس لبلورة الهوية

إن منع الحركة الصهيونية (وحلفائها الإمبرياليين والرجعية العربية) الشعب الفلسطيني من إقامة دولته هو أكبر الضربات للهوية الوطنية، فالدولة هي الوكيل الرئيس لبلورة الهوية الوطنية في كل الدول، فهي تنشر اللغة وتعمّق الذاكرة الوطنية عبر مناهج التعليم ووسائل الإعلام وهي تقرّر الرموز والأبطال والأحداث الفارقة.
إن من يدّعي مركزية وجود الحركة الصهيونية في بلورة الهويّة الفلسطينية كما يدّعي عدّة بحّاثة فلسطينيين فعليه تفسير صناعة الهويّات الوطنية الإقليمية الأخرى كاللبنانية والسورية والمصرية والتونسية وغيرها من الدول العربية التي حددت اتفاقية سايكس بيكو (1916) وسان ريمو (1920) حدودها.


* قفزة في بلورة الهوية الفلسطينية في اللجوء.

حركة "فتح" كانت الوحيدة التي شقّت طريقها منذ نهاية الخمسينيات ببدايات متواضعة ومتعثّرة (يعود اجتماعها التأسيسي الأوّل إلى العام 1957) وفي اختلاف مع المشروع القومي الكلاسيكي، ومن تجليات ذلك رفعها شعارات مركزية تؤكد على الشخصية أو الكيانية (الهوية) الوطنية الفلسطينية، وعلى استقلالية القرار الوطني الفلسطيني مقابل السعي العربي الحميم للهيمنة والسيطرة وحتى الإلغاء. بقي دورها متواضعًا حتى الانطلاقة في العام 1965 ثمّ أخذت مداها مع انتكاسة المشروع القومي 1967 ومعركة الكرامة 1968 ودورها المركزي في منظمة التحرير الفلسطينية (منذ العام 69) التي أقامها الحكام العرب 1964. وفي العام 74 حققت قفزة بالاعتراف العربي والعالمي بها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.
إذًا فانتكاسة المشروع القومي كانت من أسباب تميّز البُعد الفلسطيني الوطني، وكذلك ظلم ذوي القُربى الذين وصلهم الفلسطينيون مهجرين وهم مقتنعون أن إخوتهم سيتعاملون معهم بما يليق بالانتماء القومي الجامع، فإذا بهم يعاملونهم كما تعامل العائلة ابنتهم المغتصبة، تارة بالشفقة وطورا بالازدراء، وفي تعالٍ في كلتا الحالتين.

* الهوية الفلسطينية لدى الفلسطينيين في إسرائيل.

وبخلاف الفلسطينيين اللاجئين الذين أطلقوا على أنفسهم وعلى هيئاتهم اسم "فلسطين" كاتحاد الطلاب الفلسطينيين على سبيل المثال، ولم يحمل بعدًا اكبر بكثير من تميّزهم الإسمي عن سائر العرب، لأن الجميع عربٌ فيُطلق اسم فلسطينيون للتمييز عن اللبنانيين والسوريين والأردنيين والمصريين. وبخلافهم فقد أطلق الفلسطينيون الذين بقوا في وطنهم داخل حدود دولة إسرائيل اسم العرب على أنفسهم، وهذا تفرّد عربي، فهم الجماعة الوحيدة التي أطلقت على أنفسها اسم عرب لا غير، وكان هذا كافيًا للتميّز عن سائر المواطنين اليهود. بل ودافعوا بقوّة عن هذا الانتماء، فيتحدّى محمود درويش: "سجّل أنا عربي" ويتحدّى أكثر: "نعم عرب ولا نخجل ونعرف كيف نمسك قبضة المنجل.."[1] 

إن الانتماء العربي العام جعل الوحدة الأولى بين الشيوعيين والقوميين (الجبهة العربية التي سميّت لاحقًا بالجبهة الشعبية) تنقسم على ذاتها (1959) ليس لسبب فلسطيني محلّي أو فلسطيني عام، وإنما بسبب الخلاف بين عبد الناصر في مصر وعبد الكريم قاسم في بغداد، وقد كان خطاب من عبد الناصر يزيد او يُنقص بشكل حاد من مقاعد التي تحصل عليها الأحزاب في الانتخابات، إلى هذا الحدّ كان البُعد العربي مؤثرًا.
لم تذكر كلمة "فلسطيني" إلا لماما طيلة عقدين كاملين (1948- 1968) وإن كانت كلمة فلسطين (وليس فلسطينيين) قد ذُكرت في الشعر، مثالا على ذلك قصيدة توفيق زيّاد:


 
"أجيبيني!!
أنادي جرحك المملوء ملحًا، يا فلسطيني!"

الحزب الشيوعي هو أوّل من ذكر هذا الانتماء ابتداء من المؤتمر الثالث عشر (1957 في الصيغة المثيرة التالية: "حقّ تقرير المصير حتى الانفصال للشعب العربيّ الفلسطينيّ بما في ذلك القسم الكائن في إسرائيل." ولينتبه القارئ إلى كلمات فؤاد خوري رئيس الكتلة الشيوعية في جلسة رسمية للمجلس البلدي في بلدية الناصرة لمناقشة الاحتفال بالذكرى العاشرة للاستقلال: إن الجماهير العربية تذكر في هذه المناسبة المآسي الدموية التي أحاقت بالشعب العربي الفلسطيني سنة 1948.. إن سوق هذه الجماهير العربية للاحتفال والابتهاج ليس إلا سوقها إلى الرياء والكذب، فكيف تستطيع تجريد نفسها من الواقع المر والرقص على قبور ضحاياها وأنقاض حقوقها المهضومة" ("الاتحاد" 28/2/1958) هنا فؤاد خوري يقول "الجماهير العربية" ولكنّه يعتبرها جزءًا من ضحايا وأنقاض الشعب الفلسطيني.
وفقط في نهاية الستينيات – الأمر الذي ترافق مع انتكاسة المشروع القومي وسطوع نجم "فتح" ومنظمة التحرير- كتب محمود درويش ديوان "عاشق من فلسطين" واعتبر محبوبته:

"فلسطينية العينين والوشم
فلسطينية الاسم
فلسطينية الاحلام و الهم.."

في سنوات السبعينيات سَمّى العرب الفلسطينيون في إسرائيل أُطرهم الوحدوية بالتعريف "عرب" وليس "فلسطينيين" مثل لجنة الرؤساء العرب والجامعيين العرب والثانويين العرب ولاحقًا: لجنة المتابعة العُليا لشؤون المواطنين العرب".

ومن الجدير أن "حركة الأرض" قومية الانتماء همّشت البُعد الفلسطيني كامتداد لفكرها القومي الصاعد الذي خطّه عبد الناصر، ولفت نظري أن صحف حركة الأرض :الأرض، هذه الأرض، شذى الأرض، صدى الأرض...." لم تُعرّف العرب في إسرائيل كفلسطينيين أبدًا.
ونتيجة لهذا التطوّر الذي لعبت فيه م.ت.ف دورًا مركزيًا، والالتقاء مع الفلسطينيين من سكّان الضفة وغزّة، ومع المدّ الوطني بُعَيد يوم الأرض 1976 أجري استطلاع لعيّنة كبيرة من العرب البالغين في إسرائيل، حيث وجد أن حوالي 59% من المشتركين قد أجابوا أن أكثر التعابير ملائمة لتحديد انتمائهم هو تعبير "فلسطينيين". نتائج أكثر وضوحًا حققها تسلر (tessler, 1977) سنة 1975، حيث وجد أن 85% من المشاركين في استطلاعه قد أجابوا بأن التعبير "فلسطيني" يصفهم بصورة جيدة أو كافية. هذه الاستطلاعات وردت في دراسة أعدّها بروفيسور رمزي سليمان،  وهو الباحث الفلسطيني الجادّ في موضوع الهوية.

لقد أبرزت الكثير من الدراسات (إيان لوستك- أساليب السيطرة والضبط، توم سيغف- الإسرائيليون الأوائل) أن المؤسسة الحاكمة لم تكن حيادية في قضية الهوية الفلسطينية، بل سعت إلى حجب تعليم الثقافة الفلسطينية والوطنية في معاهد التعليم المختلفة وساهمت في تسعير الفئويات من عائلية وطائفية على حساب الانتماء الفلسطيني الجامع. وعلى كل حال فالفلسطينيون في إسرائيل ليسوا بحاجة للإشارة إلى أي مرجع أكاديمي لأن هذه السياسة كانت جزءًا من حياتهم.

* تلخيص:

من غير الصحيح إقران الهوية الفلسطينية بالحركة الصهيونية بشكل مركزي كما يحدث كثيرًا، وذلك للأسباب التالية:
* تبلورت الهوية الفلسطينية قبل قدوم الحركة الصهيونية إلى بلادنا.
* مقولة إن الهوية الفلسطينية تبلورت عبر الصراع مع الصهيونية لا يعطي جوابًا لبلورة هويات عربية مثل اللبنانية والسورية والمصرية ألخ..
* الحركة الصهيونية أجّجت الهوية الوطنية الفلسطينية وأدت إلى صياغة العديد من تعبيراتها، ولكنّها أجّلت بلورتها بشكل مستقلّ إلى درجة أنها أرغمت الفلسطينيين في حالات متطرّفة إلى تغيير اسم البلد من فلسطين إلى "سورية الجنوبية"، كما أن منع إقامة الدولة الفلسطينية منع عن الشعب الفلسطيني الوكيل الرئيس في بلورة الهوية الوطنية وهو الدولة- إن الحركة الصهيونية أجلت بلورة الهوية الفلسطينية بشكل مستقلّ هو إدعائي الأساسي في هذه المقالة.
* انتكاسة المشروع القومي العربي (خاصة في الـ67 ولاحقًا في كامب ديفيد 1978 وحرب الخليج الأولى 1991) ساهم في بلورة الهوية الفلسطينية.
* دولة إسرائيل عملت جاهدة لمنع بلورة هوية فلسطينية وحدوية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل.   

إن إعطاء وزن زائد لدور الحركة الصهيونية في بلورة الهوية الفلسطينية (والحقيقة التاريخية والعلمية أنها أجّلت بلورتها كما بيّنت) أو القول "صُنع الشعب الفلسطيني من خلال سيرورة مواجهة مع الصهيونية" هو أمر خطير سياسيًا وثقافيًا لأنه يتفق مع الرواية الصهيونية الرسمية بأنه لا يوجد شعب فلسطيني وتاليًا لا يحقّ لهم تقرير المصير.

 - - - - - - - - - - - - -
هامش
[1] وللننظر إلى كلمات توفيق زيّاد في قصيدة "كفر قاسم":
"ولكن .. أقلية نحن ؟
كلا ...
ومليون ، كلا !!
فنحن هنا الأكثرية
نسير شعوبًا تخوض المنون
وتبني سعادتها الأبدية
ففي مصر نحرق جيش الطغاة
ونغرقه في مياه القناة
وفي كل شبر بأرض الجزائر
تدور بأعداء شعبي الدوائر
وتلتهب الأرض ذات السرائر
وتنطق بالنصر أحلى البشائر
ونكتب تاريخنا في العراق
بسيل دم للحياة مراق"
لا يُطاَلَب الشاعر بالموقف السياسي الصارم، ولكنّ توفيق زيّاد هو أبرز الشعراء المسيّسين والمحزبين وقصائده تُترجم الموقف السياسي الصارم إلى لوحة شعرية جمالية، وهو أكثر الشعراء ارتباطًا بالقضية الفلسطينية خاصّة النكبة وقضية اللاجئين. ومن المثير أنه لا يرى بنفسه "أقلية" فهو ينتمي إلى هذا المدى الشعبي العربي الثائر الكبير، وربّما ينبع ذلك بأن الناصرة وغالبية الجليل كانت تتبع الدولة العربية وفق قرار التقسيم، والحزب الشيوعي كان أشدّ المطالبين بين العرب واليهود بتطبيق قرار التقسيم، خاصّة بعد النكبة وحتى العام 1967.

لم يبق لإسرائيل سوى 9 سنوات! كيف؟



أيمن عودة
الجمعة 29/4/2011

نقاش مع الشيخ رائد صلاح والسيّد عوض عبد الفتّاح



لا يمكن قراءة ما يقوم أو يصرّح به الشيخ رائد صلاح بمعزل عن أعماله ونشاطاته، فالشيخ قائد مواجه، وله الكثير من الإسهامات المفيدة التي تجدر الإشارة إليها والإشادة بها، وكلما لاحقته المؤسسة الحاكمة وقفنا إلى جانبه دونما لبس، وفي الوقت ذاته عندما نختلف في الرأي يجب أن نتواجه ونتكاشف مباشرة وبمصداقية، بما يخدم مسيرة شعبنا، وهذا هو الأساس.
شاركنا يوم السبت الأخير معًا، الشيخ رائد وكاتب هذه السطور وبعض الزملاء، في مؤتمر صحفي احتجاجا على منع المخابرات الإسرائيلية عقد مهرجان للسجناء السياسيين والوطنيين، وفي المؤتمر الصحفي خاطب الشيخ رائد الحضور ووسائل الإعلام بقوله: "المؤسسة الإسرائيلية لن تكون قائمة بعد العام 2020".
كنت أتمنّى أن تغفل الصحافة هذا التصريح، إلا أن موقعيْ إنترنت نشراه في ذات اليوم ولحقتهما سائر وسائل الإعلام، فشغلتني أسئلة عدّة: من المستفيد من هذا التصريح المجاني الصادر عن شخصية عربية بارزة؟ وأتساءل افتراضيا: هل هو حديث علمي ومبني على أُسس وبيّنات؟ هل هذا الكلام يحفّز البعض على المزيد من النضال ومن ثَمّ يُحبطهم بعد أن يكتشفوا أنه أضغاث كلام؟ وهل الشيخ رائد صلاح يخطط للإجهاز على دولة إسرائيل حقًا؟ أم أنه يتوّقع أن تقوم بذلك جهة عربية خلال تسع سنوات؟ وكيف له أن يقرر سنة زوال المؤسسة الإسرائيلية؟ ومن المستفيد من فضح هذه الخطة العملية جدًا والفعّالة جدًا إلى درجة أنها ستُؤتي أُكلها بعد تسع سنوات؟!
ثمّ ألا توجد وسائل أخرى للتعبير عن المواقف التي نحذر الحكومة الإسرائيلية من المضي في غيها بحيث تجرّ الويلات على شعبها هي أيضًا،  كالقول: إن كل ظلم زائل وأن الدهر ذو دول، أو يحذّر "قبل أن ينفلت الدولاب" أو "من يسلب حقا بالقتال كيف يحمي حقّه يوما إذا الميزان مال" كقول توفيق زيّاد؟ أو كما سمعنا إميل حبيبي يهتف في ساحة الصداقة: "إسرائيل تملك قنبلة نووية تستطيع أن تضرب بها كل الدول العربية إلا.. أنتم!".. ثم يستطرد: "البقاء والنضال هما كنزنا الاستراتيجي"! وطبعًا سياق وجوهر هذه الشعارات تقدّمي يطرح حلا ومخرجا للشعبين العربي واليهودي معًا بأن يعيشا معًا بتكافؤ ومساواة تامة قومية ومدنية، اجتماعية واقتصادية وثقافية، كجماعة وكأفراد. بديل يرى أن مصلحة الشعب اليهودي الحقيقية هي في الانعتاق من الصهيونية والعيش كجزء من المنطقة وحركة شعوبها، لا معاداة هذه الشعوب، كما هو اليوم.
بين الفينة والأخرى أسمع تصريحات نارية مدهشة من الشيخ رائد صلاح، فمثلا في أحد مهرجانات "الأقصى في خطر" شاهدته يوجّه رسالة بحماس شديد وصوت جهوري إلى الرئيس الأمريكي الغبي جورج بوش، فيقول: "إلى بوش عظيم الأمريكان.. أشهر إسلامك يا بوش" وشاهدت آلاف المشاركين يهتفون بانفعال: "الله أكبر ولله الحمد".. تأمّلت في المشهد ولم أجد بُعدًا عقلانيًا واحدًا فيه. ولو جاء مخلوق فضائي من المريخ، لا يعرف حيثيات الأمور والظلم الواقع علينا من أمريكا وإسرائيل، واستمع إلى خطاب الشيخ رائد صلاح، لامتلأ قلبه شفقة على بوش الضحية الذي يريد له الشيخ رائد صلاح – بلغة الوعيد- أن يغير دينه.
ولكنّ التصريح الأخير (المؤسسة الإسرائيلية لن تكون قائمة بعد العام 2020) يتجاوز التأمّل في الحالة الواردة أعلاه، فمثل هذه التصريحات الصادرة عن أحد أبرز القيادات تُستخدم كمادّة رائعة لكل أعداء وجودنا، فتصوّروا لو نُشر هذا التصريح في مختلف وسائل الإعلام العبرية أو لو وُزّع في شبكات التواصل الاجتماعي والمناشير في الجامعات والأسواق اليهودية، فهل يفيد ذلك شعبنا أم يضرّنا مباشرة؟! هل يُفيد أم الفحم وأخواتها المهدّدة بـ"التبادل السكاني" أم يضرّها، هل يوسّع من دائرة مؤيّدي فكرة الترنسفير هذه أم يضيّقها؟!
مع هكذا تصريح بإمكان الدعاية الإسرائيلية أن تطوي أعلامها لأنّه قويّ ومعبّئ إسرائيليا أكثر من دعاية ليبرمان الانتخابية، ويجعل من إسرائيل التي تنفذ سياسة تمييز واضطهاد، بالفعل وليس القول، هي الضحية والمهدَّدَة.
هل حقًا لا يتعلّم العرب من خطاباتهم الدونكيشوتية، منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي، التي نحقق فيها انجازات صوتية وتسجّل إسرائيل مقابلها انجازات عملية هادئة.
بطبيعة حالي كفلسطيني، كأي فلسطيني، فلست محبًا لإسرائيل، حكومة ونظامًا ودولة، ومنذ صغري، كسائر أترابي، نقف، ابتداءً، ضدّ سياستها وانتهاكاتها، وصولا إلى التحيّز ضد فرقها الرياضية حتى لو لعبت "البنانير" مقابل مكرونيزيا، وهذا واضح ومفهوم ومبرّر لابن شعب أُقيمت دولة إسرائيل على أنقاض شعبه، شرّدته وهدّمت قراه، وما زالت تمارس صنوف القهر والتمييز ضدّه في كافّة أماكن تواجده، ولسنا ضمن أجهزة الأمن الإسرائيلية المباشرة أو المشبّه بها حتى ندافع عن هذه الدولة عندما يأتي الفارس من الدول العربية على حصانه الأشهب!! وهذه هي مواقف أبناء شعبنا الفطرية والعقلانية السليمة، والتي لا تقبل ولا هي بحاجة للتبرّع بتصريحات تعرف المؤسسة وأبواقها الإعلامية كيف تستخدمها لإثارة غرائز الجمهور اليهودي ضد "العدوّ الداخلي"، خاصّة في هذه المرحلة الليبرمانية والقوانين العنصرية والتحريض المنفلت العقال علينا جميعا، وعلى الحركة الإسلامية – الشقّ الشمالي- في أحايين كثيرة.
* * *
وفي سياق متصل نشر سكرتير عام التجمّع عوض عبد الفتاح – قبل فترة وجيزة- مقالا في صحيفة "السفير" اللبنانية عنوانه: ""إسرائيل إذا طبقت المساواة ستنهار"، بينما حزبه "التجمّع" يُطالب بهذه المساواة! هنالك مقولة عامية تقول: "قاللو: نام تأذبحك، جاوبه: حكيك بطير النوم من العنين".
وكنّا صغارًا نحضر فيلم "المتسوّل" وبطله حسنين البرطوشي (عادل إمام) المتعثّر في أماكن عمله إلى أن دبّر له خاله عملا في متجر، فكان كلّما جاءت إمرأة لشراء غذاء لأولادها يأخذ بتعداد مساوئ هذا النوع من الغذاء وضرره بصحّة أولادها، حتى قبض عليه صاحب العمل مستغربًا هل يريد أن يدلّل على بضاعته (المساواة في حالتنا) أم يطرد الزبائن؟! وطرده من عمله.
وهنا يتماشى الأخ عوض عمليا مع منطق اليمين الإسرائيلي، فكلّما حصل العرب على 1% من الحقوق فستنهار الدولة بنسبة 1%، ونفهم من هذا المنطق الواقف على رأسه بأن حكومة اليمين الحالية التي تعزّز من يهودية الدولة بقوانينها العنصرية تعزّز من بُنية الدولة وتقوّي أسسها وأعمدتها في مواجهة الهزّات الديمقراطية لا سيّما هزّة المساواة الحاسمة التي تؤدّي إلى الانهيار، وفق منطق السيّد عوض عبد الفتاح.
* * *
زميليّ، لماذا التبرع بهذه الذخائر لمن يتربّص بنا، وهل يستحيل تسجيل موقف محق وحكيم معا؟ طريقنا كانت وما تزال البقاء، وتعزيز الهوية الوطنية، وانتزاع الحقوق، كل الحقوق، والتأثير على الجمهور اليهودي.. من أجل السلام والمساواة والديمقراطية والعدل الاجتماعي لجميع الشعوب وجميع السكان..
طريقنا أنت تدري/ شوك ووعر عسير/ موت على جانبيه/ ونحن حتمًا نسير

(سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة)

مع شباب 15 آذار





أيمن عودة
الجمعة 25/3/2011

في هذه الأيام التي تُنفض فيها الغبار عن المواقف الثورية، والتي تأخذ فيها الجماهير موقعها القيادي الأصيل، يُضرب عن الطعام شباب 15 آذار الفلسطيني في ميادين رام الله، غزة، بيت لحم، نابلس وطولكرم ويجتمعون على كلمة سواء: "الشعب يريد إنهاء الانقسام، الشعب يريد إنهاء الاحتلال"، وقد شاركتهم شرف الإضراب عن الطعام، وسأواصل حتى فترة محددة، كمساهمة متواضعة بإسم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
الانقسام هو طعنة نجلاء في ظهر الشعب الفلسطيني الذي عاش تيها طويلا دون عنوان وطني، عبثت به أنظمة عديدة، تحدث كثيرون بإسمه، تآمر كثيرون عليه، حتى بناء منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدًا.
شهدت منظمة التحرير انشقاقات عديدة منذ تبني الحل المرحلي منتصف السبعينيات وفي حرب لبنان و"اتفاق عمان" في منتصف الثمانينيات، أخطأت القيادة الرسمية تارة وأخطأت فصائل طورًا، وقد ساهمنا تاريخيا في رأب الصدع من خلال الدور المشهود لتوفيق طوبي في منتصف الثمانينيات. ولكن هذا الانقسام هو الأخطر، ليس لأنه يطعن بشرعية ووحدانية القرار الوطني الفلسطيني وحسب، وإنما لأنه يشتت الجهود والاستراتيجات ويقسم الوطن في أدق المراحل الفلسطينية من حيث آفاق الحل أو انسداده، وباختصار فالانقسام هو أكبر مكسب للاحتلال في وقت يُحاصَر فيه شعبيا ودوليا.
لا أقول إن الوحدة شرط للتصدي للاحتلال، بل يجب التصدي له موحدين ومختلفين، ومقاومة الاحتلال هو أهم شروط الوحدة، الوحدة تركز الجهود والاستراتيجات، توحد وتشرعن القرار الوطني.
 

* لنهتمّ بقضايانا نحن!

 
من نافل القول إننا نؤيد نضال الشعب الفلسطيني لأنه عادل بامتياز، وهذا هو الأمر الأساس، ولكن عندما نتحدث عن القضية الفلسطينية، فهي لا تعبر عن الانتماء الوطني والقومي وحسب، وإنما عن انتماء قضية بالنسبة لنا. فقضيتنا مشتركة ليس في التصدي المشترك للصهيونية منذ أكثر من مئة عام وحسب، وليس كوننا كلنا ضحايا نكبة العام 48 وحسب، وإنما هي قضية مشتركة اليوم، فإقامة الدولة الفلسطينية تعني، أيضًا، تجفيف مستنقع الاحتلال الذي يغذّي العنصرية بشكل متواصل ضدنا، نحن العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل. ثم ان حلا عادلا لقضية اللاجئين تخصنا بشكل مباشر، ومسألة "يهودية الدولة" المطروحة إسرائيليا على التفاوض تخصّنا بشكل مباشر في أكثر من جانب منها أنها تنتقص من مكانتنا في وطننا، نحن أهل الوطن. ومسألة "التبادل السكاني" المطروحة على طاولة المفاوضات تمسّنا بشكل مباشر حيث انها تهدف إلى طرد جزء منّا خارج المواطنة وهي بذلك توجّه رسالة بأن المؤسسة الحاكمة لا تريدنا جميعًا.
لقد كنا دائمًا نشير إلى جدلية العلاقة وآفاق الحل بين الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع واللاجئين وبيننا نحن الفلسطينيين في إسرائيل، جدلية العلاقة بين السلام العادل والمساواة القومية والمدنية، وهذه الجدلية تظهر بقوّة أكبر في السنوات الأخيرة، مصادقة على قول شاعرنا:
 

"فمأساتي التي أحيا

نصيبي من مآسيكم"

 
لهذا، يجب أن ينتهي هذا النقاش القائم منذ سنوات بأننا يجب أن نهتم بقضايانا بالمفهوم الضيق والمنحصر بقضايا المواطنة، هذا النقاش الذي أُسقط على جماهيرنا من قبل اليمين الإسرائيلي الذي حرّض على نوابنا بينما هو ممعن في كل ما يخص القضية الفلسطينية بتكثيف الاستيطان وبناء الجدار وسكب الميزانيات على حساب قضايا المواطنة، قضايانا الاجتماعية والاقتصادية!
النضال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني هو نضال من أجل حقوقنا.. وهذا، أيضًا، سبب أساس للمطالبة بإنهاء هذا الانقسام المشين وتوحيد الجهود ضد العدو الرئيس: الاحتلال الاسرائيلي.
أُنهي بقول محمود درويش في ديوانه"حالة حصار" حول الأولويات الوطنية، وأعلاها تكثيف الجهود لغنهاء الاحتلال أولا:
"واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا.
ولنا هدف واحد واحد واحد: أن نكون.
ومن بعده نحن مختلفون على كل شيء.
على صورة العلم الوطني
(ستحسن صنعًا لو اخترت يا شعبي الحي رمز الحمار البسيط)
ومختلفون على كلمات النشيد الجديد
(ستُحسن صنعًا لو اخترت أغنية عن زواج الحمام)
مختلفون على كل شيء. لنا هدف واحد: أن نكون..."

(من خيمة الإضراب عن الطعام- المنارة- رام الله)
 

سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة

بصدد السلطة الوطنية الفلسطينية




 الجمعة 4/2/2011


القائد الرمز أبو عمّار. أين كان متقطرنو اليوم حين قال "لا" مجلجلة في وجه الإملاءات الأمريكية؟!

نحن الأحرص على الثوابت الفلسطينية

إن توقيت نشر "وثائق المفاوضات" من قبل "الجزيرة" ليس بريئًا من جانبين. الأوّل، إن القيادة الفلسطينية أوقفت منذ سنتين المفاوضات العبثية في ظل الاستيطان وتنجح في تجنيد دول العالم للاعتراف بالدولة على حدود الـ67 وهذا التأييد الدولي يخفّف من مركزية أمريكا في "رعاية المفاوضات". والثاني، إن الثورات في العالم العربي تغذّي بعضها وأملت الجزيرة أن تشعل قنبلتُها الإعلامية الضفةَ الغربية. ورغم أهمية ذلك فـ"الجزيرة" وغاياتها يجب أن تكون أقل أهمية بالنسبة لنا، فما يهمّنا أكثر هو مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية.
تجب الإشارة إلى أن "كشف المستور" لم يكشف جديدًا، فللمفاوضات ديناميكيات خاصة بها، والمفاوض الفلسطيني رغم كل درامية "الجزيرة" قد رفض "التبادل السكاني" ورفض "يهودية الدولة" ورفض اقتراح أولمرت بعودة آلاف اللاجئين الفلسطينيين فقط.
 إن موقفنا الثابت هو أننا ندعم المفاوض الفلسطيني طالما تمسّك بالثوابت الفلسطينية، لأنها الحقوق الدنيا للشعب الفلسطيني ولأنها تضمن الحل الثابت والدائم. نحن في الحزب والجبهة الأحرص على هذه الثوابت فالحزب الشيوعي هو الذي صاغها قبل نشوء م.ت.ف 1964 وقبل تأسيس "فتح" (1958) وسائر الفصائل: ثوابت الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، عاصمتها القدس، وحق اللاجئين حسب القرار الأممي 194.

* النهج النقدي وليس النقد العيني


إن ما يميّز الجبهة الديمقراطية عن القيادة الرسمية للسلطة الوطنية الفلسطينية هو أنها أكثر يسارية بشكل مثابر، ولهذا التميّز استحقاقات، وهذه الاستحقاقات لا تعني النقد العيني والمتقطع لقضايا تختلف فيها الجبهة عن السلطة الوطنية، وإنما يجب أن تكون نهجًا يساريا نقديًا ومصوِّبًا وفق قناعاتنا.
 إن أبرز التميّز اليساري للجبهة عن القيادة الرسمية للسلطة هو نقد الجبهة الدائم لتغييب النضال الشعبي من قبل السلطة والذي يجب أن يكون الركن الأساس في ممارسة الفلسطينيين، وتنتقد الجبهة القيادة الرسمية لـ م. ت. ف والسلطة لارتكانهما على "الراعي الأمريكي الوحيد" وهو منحاز مبدئيا لإسرائيل. ولكن ليس هذا فقط، ثمة أخطاء جسام، فمن العار أن يتظاهر كل العالم تضامنا مع غزة وقت العدوان الإسرائيلي المجرم إلا الضفة الغربية، ومن المهين للكرامة الوطنية أن تستمر ابتسامات وعناق أولمرط- أبو مازن في يوم تغتال فيه إسرائيل (أي أولمرط) أربعين فلسطينيا في غزة في ذات اليوم! ومن المستهجن تلكؤ وفشل السلطة في التعامل مع تقرير غولدستون، ومن غير المقبول أن يُقمع اجتماع حزب الشعب والجبهتين الشعبية والديمقراطية لرفضهم تجديد المفاوضات في ظل الاستيطان، ومن المرفوض منع مظاهرات فلسطينية تأييدًا لشعبهم التونسي والمصري كما تقوم به السلطة في الشهر الأخير. ناهيك عن الممارسات اليمينية على المستوى الشخصي لعدد من قيادات م.ت.ف.
وانتقادي الأخير هو في منع السلطة الفلسطينية لبث قناة الجزيرة في الشهر الأخير باعتباره تصرّف غير مقبول مهما يكن، وأيًا كانت انتقادات السلطة للقناة، فللسطة قناتها الإعلامية والعديد من المواقع الألكترونية والصحف وتستطيع إبراز وجهة نظرها بكل قوّة، ولتكن واثقة من حنكة وبصيرة الشعب الفلسطيني، لا أن تكمّ الأفواه.
في الوقت ذاته فإن أي نقد جبهوي لقيادة م.ت.ف والسلطة الوطنية يجب أن يكون نقدًا بنّاء بمفهوم أن البديل الراهن للسلطة لن يكون حزب الشعب الفلسطيني (الحزب الشيوعي) أو الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين أو إطارا أقرب لمواقف الجبهة، وإنما البديل يتراوح بين ثلاث: تكريس الاحتلال أو الفوضى أو حركة حماس. إن هذه البدائل مجتمعة أو منفردة هي بالتأكيد أسوء من القيادة الرسمية لـ م.ت.ف  وأسوأ هذه الخيارات الثلاث هو تكريس الاحتلال، وهو الخيار المرجّح.
إن حركة حماس تبقى خيارًا سيئًا ليس فقط لأنها قادت إلى انقسام وكرّسته مقدمة بذلك خدمة جليلة للاحتلال بتقسيم الأرض والسيادة والقيادة ووحدانية القرار الفلسطيني، وليس فقط بسبب مواقفها الاجتماعية، وإنما لأنها تلتقي في حلولها مع اليمين الإسرائيلي حول مشروع الدولة المؤقتة الذي اقترحه ليبرمان وإن كان بمنطلقات مختلفة إلا أنه يكرّس الوضع القائم ويستشري الاستيطان مما يجهض الدولة الفلسطينية نهائيا بدلا من تعزيز الجهود الشعبية والدولية لإقامتها، ناهيك عن الممارسات القمعية اليومية وآخرها في الأسبوع الأخير منع روايتي "شيكاغو" لعلاء الأسواني و"وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر لأنهما يخدشان "القيم الدينية والمدنية"! ورغم القمع اليومي الذي تمارسه حماس إلا أنها غير منتقَدة إعلاميا إلا لماما، باعتبارها الجانب "المستضعف" الـ"Under dog".  
   إن القيادة الرسمية لـ م.ت.ف والسلطة الفلسطينية رغم الكثير من الممارسات البرجوازية يبقيان تقدميّيْن في سياقهما لأنهما يسعيان لإزالة الاحتلال، لهذا ليس صحيحًا ربطهما مع محور الأنظمة العربية المتواطئة التي ينحصر دورها في قمع شعوبها وامتصاص خيراته وتسيير المشاريع الأمريكية،  والموقف الصحيح هو ليس التماهي كليا مع م.ت.ف والسلطة تحت يافطة "الممثل الشرعي والوحيد"، فتاريخيا عارضناها في أكثر من مفصل ولعلّ اتفاق عمّان (1985) هو أبرز الأمثلة على معارضة الجبهة لقرار اتخذته القيادة الرسمية لمنظمة التحرير.
المطلوب هو النقد اليساري والمنهجي لـ م.ت.ف والسلطة، نقدًا داعمًا وبنّاءً من أجل تدعيمه ضد العدو الرئيس: الاحتلال الإسرائيلي. 

* البيت من زجاج!


إن أبرز ما رُمي به المفاوض الفلسطيني هو التنازل عن حقوق اللاجئين والموافقة على "يهودية الدولة"، فأقامت "القوى الوطنية والإسلامية" اجتماعا لها في باقة الغربية يوم السبت الأخير، معلنة بأنه ليس من حق السلطة التفاوض بإسمنا، "نحن الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني"، وتزاحَم الخطباء في هجومهم على السلطة.
هذا الهجوم يستدعي بعض التوقّف متسائلين عن عدوّ شعبنا الرئيس: هل هو السلطة الفلسطينية التي تناضل/ تسعى/ تطالب بحقوق الشعب الفلسطيني أم السلطة الإسرائيلية التي تصادر هذه الحقوق؟ وأين نستطيع أن نؤثر نحن المواطنين في إسرائيل، على السلطة الإسرائيلية أم على السلطة الفلسطينية، وأيهما أجدى؟! وأطرح هذه الأسئلة على الإخوة المجتمعين في باقة الغربية، هذه المدينة التي تطرحها "تسيبي ليفني" للتبادل السكاني مع المستوطنين ويرفض ذلك المفاوض الفلسطيني!
للجواب على السؤال أفهم موقف الحركة الإسلامية التي ترى باتهام السلطة الفلسطينية انجازا مباشرا لامتدادها الأيديولوجي والسياسي، حماس. أما الآخرون فيهاجمون السلطة بإدعاء القبول بـ"يهودية الدولة" والتنازل عن اللاجئين، الأمر الذي ينفيه الطرفان: م.ت.ف وإسرائيل!
م.ت.ف صمدت 20 عام في المفاوضات (منذ مدريد 1991 وحتى اليوم) في مواجهة بوش الأب ثم كلينتون دورتين فبوش الإبن دورتين ثم أوباما، في مواجهة ضغوطات هائلة من "سيّدة العالم الوحيدة" بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وضغوطات الأنظمة العربية الرسمية ومنها الأمير حمد بن خليفة صاحب قناة "الجزيرة" الذي اتصل (هو والملك عبد الله) بياسر عرفات هاتفيا في كامب ديفيد 2000 مطالبا إياه بالتنازل عن أجزاء من القدس وغور الأردن واللاجئين وغيرها، فـ"وافق" عرفات مشترطًا على الأمير إرسال مقترحاته خطيًا!! ..
لا يخفى على المتابع لمواقف بعض هذه الأحزاب المجتمعة في باقة الغربية أنها لم تصمد عشرين عام أو حتى يوميْن في "لجنة الانتخابات المركزية" في إسرائيل حول هاتين القضيتين: يهودية الدولة وحق اللاجئين. فعندما هُدّد "التجمّع" بشطبه انتخابيا (أي منعه من الترشّح إلى الكنيست "أو البرلمان الصهيوني!" ليس إلا!) وقّع رئيس الحزب جمال زحالقة في العام 2009 على تصريح مشفوع بالقسم بأن حل قضية اللاجئين يجب أن يتم بالموافقة بين م.ت.ف وإسرائيل من خلال حل وسط! ويقسم زحالقة في تصريحه بأن "التجمّع" كان أول من أيّد المبادرة العربية. وللنزاهة المطلقة هاكم النصّ الحرفي من موقع النت لـ"الكنيست" ومركز "عدالة":

המצע המדיני של בל"ד מתבסס על עקרון של פשרה היסטורית שעיקרה נסיגה ישראלית מכל השטחים הערבים שנכבשו ביוני 1967 על בסיס שתי מדינות בגבולות 1967 יחד עם פשרה מוסכמת בין אש"ף וישראל אודות סוגיית הפליטים הפלסטינים. אציין, כי לפני שהחל הדיבור על היוזמה הערבית, אנו היינו הראשונים לאחר מלחמת לבנון השנייה שתבענו, כי על ישראל להתייחס ברצינות ליוזמה הערבית.  ראו נספח ת/2 לעיל.      

   إن تصريح زحالقة المشفوع بالقسم ليس أنه يدعو إلى حل وسط أو (פשרה) في قضية اللاجئين وحسب، وليس أنه يُسقط القرار الأممي 194 وحسب، وإنما يجعل إسرائيل طرفا نديًا ومقررا في تقرير مصير اللاجئين الفلسطينيين.
وحول الهجوم الكاسح على السلطة بأنها موافقة على "يهودية الدولة" فليس أن هذا الأمر غير صحيح عمليًا وفعليًا، حتى أن حكام إسرائيل يبررون رفضهم "التنازل" بأن السلطة ترفض الاعتراف بـ"يهودية الدولة"، ولكن الأنكى من ذلك أن التجمّع وعزمي بشارة وجمال زحالقة وافقوا أكثر من مرة وبتصاريح مشفوعة بالقسم بأنهم يؤيدون الطابع اليهودي للدولة، فعزمي بشارة يقول حرفيا: "نريد إسرائيل يهودية في الطابع ديمقراطية في الجوهر" (موقع الكنيست على النت ونشرة التجمع من 28.12.2002 وهذه الوثائق قد أبرزتها في مقال سابق – "الاتحاد" وموقع الجبهة 15.10.2010- وهي بحوزتنا وفي متناول اليد في الانترنت). أليست هذه المستندات الرسمية جديرة ببرنامج إضافي على "الجزيرة" عنوانه "كشف المستور في الداخل الفلسطيني!".
 هنا يُعجب القارئ من هذه الصفاقة التي تُعيب على م.ت.ف الصامدة مدّة عشرين عام من المفاوضات أمام أعتى الدول وتواطؤ الأقربين ما تسمح به لنفسها في مواجهات عادية ومكرورة مع السلطة الحاكمة.

* المترفون!


من اللافت أن اللاجئين الذين "تنازلت" م. ت. ف والسلطة عن حقوقهم الشرعية وغير القابلة للتصرّف ولا للتقادم.. لم يخرجوا بأي مظاهرة ولم يعقدوا أي مهرجان ضد م.ت.ف والسلطة لا في اليرموك والنيرب السورييْن ولا في عين الحلوة وبرج البراجنة اللبنانييْن ولا في مخيم البقعة وسوف الأردنيين..!! 
المتابع للمشهد الحزبي والحركي للفلسطينيين في إسرائيل لا بد أن يلحظ أمرًا مثيرًا وهو أنّ:
الإخوة في "الحركة الإسلامية الشمالية" أكثر تشددًا من كل حركات الإخوان المسلمين في العالم العربي.
والإخوة في "التجمع" أكثر تشددًا من القوميين العرب كجبهة النضال الشعبي الفلسطينية، وهي التي رفضت هجوم "الجزيرة".
الإخوة في "أبناء البلد" أكثر تشدّدا من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي التي رفضت هجوم "الجزيرة"، وتصرّ على موقف أصيل من م.ت.ف.
يا لدلال "عرب إسرائيل"!
ولكن الحقّ يُقال، إن الأكثر تشددًا من "عرب إسرائيل" هم عرب أمريكا، فهؤلاء بين "لعبة التينيس" وجلسة "عصف ذهني" لا يرضوا بديلا عن "الدولة والواحدة"، ودونها خرط القتاد..
إن من يدافع بصدق وإخلاص عن "الثوابت الفلسطينية" لا يجب أن يخوّن ويُضعف المفاوض الفلسطيني، وإنما أن يحدّد الأهداف العريضة وفي صلبها الوحدة الوطنية بين "فتح" و"حماس" وسائر الفصائل ضد العدو الرئيس وهو الاحتلال الإسرائيلي. هذه الوحدة هي أيضًا التي تضمن الثوابت، هكذا يتصرّف المخلصون لفلسطين.

هذا هو الطريق





الجمعة 10/12/2010


هناك من لا يعي دور الجماهير العربية التي بقيت في وطنها! (من مسيرة يوم الأرض في دير حنا عام 2008)

على غير عادته، اهتمّ موقع عرب 48 التجمّعي والموجّه للعالم العربي، أساسًا، بمقال الصحفي سليمان أبو ارشيد رئيس تحرير "العنوان الرئيسي"، لأن لأبو رشيد خصّصه لمهاجمة موقف للرفيق النائب محمد بركة مفاده: "نحن الفلسطينيين في إسرائيل لسنا مشاريع جواسيس لا لانظمة ولا لتنظيمات".
أبو ارشيد يخلص في مقاله إلى القول: "واليوم إذا كان هناك في أي ساحة من ساحات العمل الوطني الفلسطيني فصائل أو مجموعات قريبة من سوريا أو إيران أو حزب الله فذلك لا يزيدهم ولن يزيدهم إلا شرفًا".
فليسمح لي أبو ارشيد وموقع عرب 48 الذي تُقزّم كل المواقف فيه في سبيل تشويه صورة الجبهة ومحمد بركة في العالم العربي، بالعودة إلى قرار رسمي للجنة المتابعة من يوم 7.1.2009 وجاء فيه حرفيا: "في حينه، وبمبادرة النائب

محمد بركة، اتخذ المجتمعون قرارا – بالإجماع- يرد على القيادي في حركة حماس في لبنان اسامة حمدان، وجاء في القرار:  "إن الجماهير العربية في البلاد تحدد موقفها وسلوكها الجماعي والوحدوي وفق خصوصيتها الجغرافية والسياسية والمدنية" وكان هذا القرار قد اتخذ بحضور كلا من الشيخ رائد صلاح، والشيخ النائب إبراهيم صرصور، والنائب السابق واصل طه، والأمينين العامين لحركة أبناء البلد رجا اغبارية وأسعد كناعنة وآخرين. ولمن نسي السياق فهو أنه في العدوان المجرم على غزّة طالبنا حمدان بـ "ارباك العدو من الداخل وزلزلة اركان بيته".
يبدو أن هناك من لا يعي الدور الهام والاستراتيجي للجماهير العربية التي بقيت في وطنها وما زال يقامر بهذا البقاء، ولم يفهم أن بقاء هذه الجماهير هو الانجاز الفلسطيني الأهم في العصر الحديث، وهو انجاز تبرز أهمّيته مع تقدّم السنين، إنجاز تدرك المؤسسة الإسرائيلية أهميته وخطورته على مشروعها العنصري أكثر من بعضنا! هذا البعض الذي لا يعي حساسية المرحلة والتحريض الرسمي واليومي فيتبرّع بتصريحات عن شرف "المجموعات القريبة من سوريا أو إيران أو حزب الله".
في السابق كان شعبنا يفرض منع تجوّل طوعي لسماع خطابات عبد الناصر، وكان الناس يعيّدون متى عيّد هو (بغض النظر عن رؤية الهلال) وتيتماثلون وجدانيا مع مشروعه النهضوي، ولكنّ جماهيرنا في موقفها الأصيل هذا لم تساهم عسكريا ولم تنزلق عن مشروعها الكبير، البقاء بكرامة، هذا هو الطريق.

هذه الجماهير تحارب بشدّة المشروع الأمني المسمّاة بـ"الخدمة المدنية"، ناهيك عن العسكرية، وابتعدت عن  المساهمة في "الأمن الإسرائيلي" ولكنها لم تحاربه "امنيا" وانما ناضلت ضدّه سياسيا، وهذا هو الطريق.

في وقت العدوان على غزّة كان أصحاب هذا الطريق لا يتظاهرون في قراهم وحسب، وطبعًا ليس في العواصم العربية، وإنما في قلب تل أبيب، وهذا هو الطريق.
قبل أيّام قلتُ لمجموعة أصدقاء ان محمد بركة هو أكثر شخص بين الجماهير العربية شارك في مظاهرات منذ نهاية السبعينيات حتى اليوم، ومن النادر جدًا ان يغيب عن أي مظاهرة، وإمعانًا في التحدّي الودّي طلبت منهم ذكر شخص آخر شارك اكثر منه في مظاهرات، ولم نجد جوابًا. أردت ذكر ذلك لأن "حرفة النمل" و"شدّ الضوء خيطًا ريقًا من ظلمة الليل" هو طريق الجماهير العربية، وليس الحلول السحرية و"الأمنية" التي تؤدلج الكسل اليومي وتهدّد بقاءنا في وطنا.

طريقنا هو البقاء وتعزيز الهوية الوطنية والقومية والقيم التقدمية اجتماعيا والتأثير الديمقراطي على المجتمع الإسرائيلي، هذا هو الطريق الطويل والمنتصر.