الثلاثاء، 14 يونيو 2011

الشرطة الجماهيريّة . . . ملاحظات أوليّة لفهم رفضنا السليقي للانخراط في الأطر ''الأمنيّة'


السبت 5/3/2005

مقدمة: مشروع "الشرطة الجماهيريّة" الذي أقام، منذ أكتوبر 2000 وحتى اليوم، مراكز في 43 تجمعًا سكنيا عربيا، والذي وافقت عليه وأقرته "اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحليّة العربية في إسرائيل" في النصف الأوّل من الدورة السابقة في 16.01.2001، والذي تعاملت معه كل الأطر الوطنية التي ترأست سلطات محليّة (بدون أي استثناء!)، هو مشروع  أكثر تركيبًا وتعقيدًا من مخطّط "الخدمة المدنيّة"، فهو لا يربط بين الحقوق والواجبات مباشرة، وهو يعْرض جهازه لإعطاء الأجوبة للتجاوزات المختلفة في قرانا ومدننا، لا سيّما وأنّ المسؤولين في قرانا ومدننا يتلقون مختلف الشكاوى، منها قضايا الأمن الشخصي، ومنها قضايا تبدو صغيرة (وقد يستخفّ بها البعض!) ولكنّها تقـُض مضاجع المسؤولين فعلا، مثل أن يحتسي شبان الحارة الخمر في محطة الباص وتعلو صرخاتهم المزعجة للجيران! أو أن يتحرش الشبان بطالبات المدارس الثانويّة! وغيرها..
 قضايا تبدو بسيطة، ولكنها يومية ويعاني منها معظم رؤساء السلطات المحليّة بشكلٍ دائم، فما العمل؟ ونحن نتحدّث عن زمن لم يعد أحدٌ "يَمُون" على أحد، ولا احترام لكلمة الكبير ولا يحزنون.. 
 ولذا فالنقاش حول "الشرطة الجماهيريّة" يستدعي قراءة جِديّة ونقاش هادئ مسؤول، لنصل إلى الموقف السياسي الصحيح، الذي يخدم سلامة ومصلحة جماهيرنا.

* * *

نحن، أهل هذه البلاد، لنا موقف سليقي مبرّرًا يرفض كل مخطّطات الدمج بالأطر "الأمنيّة"، وهنا أحاول أن أساهم، بشكلٍ أوّلي، في ترجمة هذا الموقف السليقي إلى مواقف مبدئية وعمليّة، وهي كالتالي:

الشرطة الجماهيريّة و"نظريّة الأطر القامعة"

على مستوى النظريّة والتجربة ثمّة إشكاليّة حقيقيّة وعميقة للإنسان الذي يملك فكرًا مغايرًا عن السائد في الدولة، أن يعمل ضمن "أطر أمنيّة إلزاميّة تراتبيّة " في المبنى والتعليمات، فليس صدفة أن يرى الفكر الماركسي بالشرطة في الدول الرأسماليّة قبضة الحكومة ضدّ العمّال ونقابات العمّال، وأن يؤكّد الفيلسوف والمؤرّخ ميشيل فوكو أنّ "مفهوم القوّة الذي يحكم مؤسّسة ما يتحكّم بوعي أفرادها أيضًا". ومثال جيّد على هذه النفسيّة المقموعة المؤطرة، أنّه ضمن مئات رافضي الخدمة أو منفذي الأوامر في الجيش الإسرائيلي قد لا تجد عربيًا رافضًا!! والعربي الدرزي (الأقل تماهيًا مع الجيش من اليهودي المغسول دماغيًا) الذي يعاني من الفرض القسري للخدمة العسكريّة، قد يرفض فكرة الخدمة أصلا وقبل انخراطه فيها، ولكن بعد أن ينخرط في الجيش تراه منصاعًا تمامًا، وذلك بخلاف بعض اليهود رافضي الخدمة! فلا تجد عربيًا في الجيش قد رفض أمرًا (????? ??????) بينما تجد عشرات اليهود الذين رفضوا أوامر من منطلقات ضميريّة، وقد نتساءل، لماذا لم يستقل أي شرطي عربي من الشرطة في أحداث أكتوبر 2000 وهي (وليس الجيش) قتلت الضحايا العرب الـ13؟! الجواب السريع، لأنّهم مقموعون.
وفي "الشرطة الجماهيريّة" حيث يرتدي الشرطي الزي الرسمي ويكون مدججا بالعتاد، ويتخندق وراء موقفه في النقاشات مع أهل بلده المعارضين للشرطة الجماهيريّة، ويعتزّ بمكانته المسؤولة وقدرته على إعطاء أوامر(لا سيّما أن المنخرطين ليسوا من الناجحين عادة) إضافة إلى خلق ديناميكيّة بينه وبين رؤسائه في المبنى التراتبي والمبني "على الرضا وغير الرضا"، وتنشأ حالة استدراجيّة يجد الشاب نفسه بها خادمًا في غير مكان سكناه (مقال لمحمد سروات حجازي "الاتحاد 24.2.2005) وفي ديناميكيّة متطوّرة أكثر لهذه العلاقة، لن نجد "الشرطي العربي " إلى جانبنا في النضالات القادمة، والأرجح أن نجده في الطرف الآخر!
من الجدير ذكره أن هذه المؤسّسات، كالحرس المدني (???? ?????) والشرطة الجماهيريّة، تنشط بعد أحداث ومدّ وطني، فبعد يوم الأرض 76 أرست السلطة فكرة الحرس المدني في التجمعات العربيّة، وبعد أكتوبر 2000 زادت من مراكز "الشرطة الجماهيريّة" في التجمعات العربيّة من 5 إلى 43 مركزًا! وزاد عدد المتطوّعين العرب في الحرس المدني من 3,645 في 2001 إلى 7,092 في 2004 (هآرتس 1.11.2004). 

تقاسم الوظائف بين الشرطة (ووحداتها كالشرطة الجماهيريّة) والجيش.

قبل شهر واحد فقط، انتقل سجن مجيدو بسجنائه السياسيين من مسؤوليّة "تصاهل" إلى وزارة "الأمن" الداخلي (المسؤولة عن الشرطة الجماهيريّة) ومن المعروف أنّ  الشرطة العسكرية (أنظر/ي إلى التداخل بين الشرطة والعسكرية) كانت المسؤولة عن حراسة السجناء السياسيّين.. وفي خبرٍ آخر (هآرتس 01.02.2005) فإنّ قائد منطقة الجنوب في الشرطة سيخضع لقائد "تصاهل" في الجنوب، ويورد لنا الكاتب أمير أورن العديد من الأمثلة اليوميّة والتنظيميّة لتداخل الجيش مع الشرطة ومنها الحرس المدني، حتى أنّه يقترح أن يعمل الحرس المدني والشرطة الجماهيريّة  في (الجبهة الداخلية) بينما تعمل الشرطة (????? ?????) في (الجبهة الخارجيّة) لإخلاء المستوطنات.(هآرتس 08.02.2005) وقد انتبهت أنّ كثيرًا من الناس لا يعرفون أنّ "حرس الحدود" (???? ????) يتبع الشرطة وليس الجيش (لا مجال للخوض هنا حول فكرة تنوّع الخدمة العسكريّة وإدراج العمل الزراعي ضمنها، على سبيل المثال، كجزء من مشهد صهيوني كلاسيكي للجندي اليهودي المقاتل والمزارع (القوي بالأساس) نقيض "اليهودي الضعيف" في أوروبا اللاساميّة ..  يُذكر أن قانون الخدمة العسكرية الأوّل (1949) شمل العمل الزراعي.. كتعبير عن هذه النفسيّة - وهي تجربة لسنا شركاء فيها).
ومثال عملي على "تقاسم الوظائف" بين الخدمتين، ما قامت به أمريكا إبان الحرب العالمية الثانية، وبواسطة أجهزة الأمن الداخلي، من تجنيد قوّة "الحرس المدني" "والخدمة المدنيّة" من أجل أعمال حيويّة للجهد العسكري.
ولذا فنحن لا نستطيع أن نكون جزءًا من هذا التداخل ولا تقاسم الوظائف ولا العمل في الصفوف الخلفيّة للجيش الإسرائيلي.


الأمن "هبيطخون"


في وضعية سلام ومساواة قومية ومدنيّة وعدالة اجتماعية، يكون لمفهوم "الأمن" بالنسبة لنا مفهومًا حقيقيًا.. في ذلك الوقت لن تضع الجماهير العربية والديمقراطية عامّة وصحيفة "الاتحاد" كلمة الأمن بين هلالين.
وكما يعلم القارئ فإنّ السجين الوحيد الذي نحترمه هو "السجين الأمني" (من الأصح استعمال كلمة السجين السياسي) وما زالت كلمات توفيق زيّاد المتحدية أسلاك سجن الدامون مغروسة في الوعي والوجدان الجماعي، وتُنشد حتى يومنا هذا (يا شعبي يا عود الندّ..).
فقط قبل عدّة أيام كتبت "الإتحاد" بتعاطف حقيقي عن السجين السياسي حسام كناعنة، وتنشر باستمرار تأييدًا لطالي فحيمة، وأعلنت موقفها المؤازر على رؤوس الأشهاد لقياديّي الحركة الإسلاميّة، لماذا؟ لأنّ "الإتحاد" لا تعتبرهم مشكلة أمنيّة بل ضحايا مفهوم "الأمن" المؤسساتي!
في الوقت الذي تحتل فيه إسرائيل أراضي الشعوب العربيّة، وتقمع الحريات الديمقراطيّة والاجتماعية بمسوّغ "الأمن" فنحن لا نتماثل مع هذا المفاهيم المؤسّساتيّة.
ووجدت تعبيرًا رائعًا عن مفهوم "أمننا وأمنهم" في قصيدة رفيقنا طيّب الذكر علي عاشور، حيث أنشد:
"باسم الأمن    
وحفظ الأمن     
يدوس الأمنَ
رجالُ الأمن

* * *     

باسم الأمن
فقدنا الأمن
وصار الأمنُ
عدوّ الأمن!"
(الجديد للآداب والفنون
العدد 7 تمّوز 1970 السنة 17 ص 34)
وفي وضع طبيعي أكثر، ما كان توفيق زيّاد يعتز بـ "الزقاقات التي لا تجرؤ الشرطة أن تدخلها.. عندما يشتعل الناس غضب".
الشرطة الجماهيريّة والتي دُمجت بالحرس المدني تأسست في أجواء "الصدمة الجماهيرية" من حرب أكتوبر 1973 ومباشرة بعد عمليّة "معلوت" (1974) ووزارة "الأمن" الداخلي هي المسؤولة المباشرة عنها.
في يوم السبت الأخير شاهدتُ، في إحدى قرى الشمال، سيّارة شرطة جماهيريّة مدموغة برمز الشرطة وباللونين الأزرق والأبيض، ويجلس فيها شابان عربيان ببزّة زرقاء وعلى كتفيهما شريطًا أسود، وعلى صدرهما نجمة داوود ورمز الشرطة، ولم ألحظ إذا كانا يحملان سلاحًا.
أعتقد أن بين هذين الشابين وبين مفهوم "الأمن" قد كُسر الشيء الكثير، وبالطبع فقد تقلّصت المسافة بينهما وبين الجيش، إن بقيت أصلا! فـ "من يهن يسهل الهوان عليه ..".
قطعت "توصيات عبري" قول كل خطيب!
صادق وزير "الأمن" شاؤول موفاز على توصيات لجنة قائد سلاح الجو ومدير عام "وزارة الأمن" السابق دافيد عبري، بخصوص مخطّط "الخدمة المدنيّة"، والتي سيتابع سيرها "مجلس الأمن القومي" وورد في التوصيات الاعتراف بالشرطة الجماهيريّة كجزء من "الخدمة المدنيّة" (هآرتس 04.02.2005)
وبهذا نضمّ المبادئ الرافضة للشرطة الجماهيريّة إلى عشرات المبادئ الرافضة لمخطّط "الخدمة المدنيّة"( أنظر/ي موقع الجبهة www.aljabha.org)      


                                             
لقد قلنا الـ "لا" ولكن كيف نحافظ على سلامة قرانا ومدننا؟.


الموقف الأساسي الذي يجب اتخاذه هو مطالبة الشرطة بتأدية دورها المدني بالشكل الكامل؛ وطبعًا يجب إسقاط حجّة عدم وجود عدد كافٍ من قوات الشرطة، ونحن الأدرى بعددهم العرمرم في الوقت الذي يشاءون ذلك! وعدم وجود قوى كافية في الوقت الذي لا يشاءون! (المغار – مثلا) وإذا كان العدد قليلا لأسبابٍ اقتصاديّة، فليس من واجب المواطنين العرب القيام بهذا الواجب!.. مطلبنا بضرورة قيام الشرطة بواجبها هو الموقف الأساسي، ويجب أن نناضل من أجل ذلك في مختلف المستويات، لأنّنا نتعامل مع مسألتي المواطنة والحقوق بجديّة قصوى.
لا أنكر وجود وضعيات خاصّة يكون فيها أهل البلد أقدر على إعطاء حلول، ولذا فالمطلوب من المجالس المحليّة التي تعاني من بعض التجاوزات وضع حراسة تطوعيّة من قبلها، حراسة من أهل البلد وتكتسب احترام الناس لأنّها تطوعيّة ومعيّنة من قبل المجلس المحلّي وليس "البيطخون"؛ ومن المهم الإشارة هنا إلى أنّ "أهل مكّة أدرى بشعابها"، ويعرفون كيف ينتقون الناس للحراسة، وليس كالشرطة الجماهيريّة التي يستطيع كل إنسان (وقد يكون عنده شعور بالنقص) أن يبحث في الشرطة الجماهيريّة متنفسًا لوضعه الخاص الذي قد يضر به وبالآخرين.

* * *

في المعركة على المساواة لا يكفي أن نكون أصحاب الحق، بل يجب أن نتسلّح بوعي، وكلّما ازداد وعينا لحقوقنا كلّما طالبنا بها بقناعة راسخة وبشموخ أصحاب الحق؛ فنحن نريد المساواة التامّة، المساواة الاجتماعيّة والمدنيّة إلى جانب الاعتراف بنا كأقلية قوميّة لها حقوقها القوميّة وخصوصيّتها، وتريد أن تمارس وتطوّر هذه الخصائص والخصوصيّات.. وجزء من هذه الخصوصيات هي أنّنا نريد المساواة بدون تقديم قرابين الولاءات من خدمة مدنيّة وزعانفها كالحرس المدني والشرطة الجماهيريّة، هذه الأطر التي تكرس حالة التمييز وتعمّق الدونيّة وتشوّه الانتماء القومي لدى الجماهير العربيّة.
نريد أن نناضل من أجل المساواة التامّة القومية والمدنية والاجتماعية، وبإصرار وثقة، فالمساواة ليست منّة وإنّما حق لنا، نحن أهل البلاد الأصليين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق