الثلاثاء، 14 يونيو 2011

لمكافحة الفشستة المستفحلة "وقل اعملوا.."


لمكافحة الفشستة المستفحلة
"وقل اعملوا.."


الأثنين 1/8/2005

بين النقاش التنظيمي الداخلي وشلالات العنصريّة والكراهيّة التي تضرب الأبواب، وهديرها المرعب في كلّ مكان

كل من يقرأ "الاتحاد" يدرك أنّ نقاشًا جديًا يدور في مؤسّسات الحزب الشيوعي والجبهة، ويدرك أنّ سكرتير الجبهة عودة بشارات قد قدّم استقالته على أثر ذلك، ثمّ عدل عنها، لنساهم معًا في أن يكون العود أحمد..
أنا شريكًا "مواظبًا" في النقاش الدائر منذ عدّة سنوات، وفي الأسبوع الأخير بشكل مكثّف أكثر، وأُدرك اليوم، بحُكم التجربة الشخصيّة والعامّة، أنه من الصعب أن تحسم الأمور من خلال نقاش فوقي بين رأيين (أرى أنّه من المناسب استعمال كلمة "رأيين" بدلا من "تيّارين") بل أنا أومن أنّ صمّام الأمان لحزبنا وجبهتنا هو الكوادر المخلصة المتفانية التي اجترحت عشرات التجارب، وتصدّت لقادة تاريخيين حاولوا النيل من حزبها وجبهتها فتحطّمت محاولاتهم على صخرة وحدة وصمود هذه الكوادر، وهي ذات الكوادر التي تعكف اليوم على إنجاح "المخيّمات الصيفيّة" وتناضل ضد "الخدمة المدنيّة" و"فيسكونسين".. وهي التي ستحسم في نهاية المطاف، وبالأسلوب الأعمق والحقيقي وهو التغيّرات الكميّة المنهجيّة التي ستؤدّي حتمًا إلى تغيّر نوعي، هذه الكوادر لا تملك "لوكسوس" قضاء ساعات إضافيّة في مناقشات بيزنطيّة كالتي أدارها فلاسفة الامبراطوريّة حول عدد الجان الذين يرقصون فوق دبّوس، بينما الأعداء يدكّون أسوار الأمبراطوريّة..
لماذا أعطي هذا المثال؟ لأن في هذا الأسبوع حصرًا، والذي انهمكنا فيه ببحث القضايا التنظيميّة مرّرت الحكومة ثلاثة قرارات كارثيّة: الأوّل "قانون الانتفاضة" الذي يسد الطريق، وبأثر رجعي، أمام مطالبة الفلسطينيين بالتعويضات الماديّة لجرائم الاحتلال، والثاني قانون "باخر" الذي يشكّل قفزة نوعيّة في توسيع الهوّة بين الأغنياء والفقراء بتخفيض ضريبة الدخل بشكل ضخم وكارثي عن حيتان الاقتصاد، والثالث "قانون المواطنة" الفاشي بتفوّق، والقاضي بمنع الفلسطينيين/ ات مواطني إسرائيل من التزوّج من فلسطينيين/ات من الضفّة والقطاع وإسكانهم في إسرائيل!! وذلك بأثر رجعي، أي ضد الذين تزوّجوا قبل إقرار القانون!
وأريد أن أنوّه أن السلطات ضيّقت دائمًا على هذا الزواج في السابق، ولكنّها أرادت تنظيم هذا الظُلم، كما قال الشاعر حافظ إبراهيم:
"لقد كان فينا الظلم فوضى فهُذبت    
   حواشيه حتى بات ظُلمًا منظّما"
 واحدى الحجج الصارخة لإقرار القانون أن هذا الزواج يشكّل تجسيدًا بطيئًا ومنهجيًا لحقّ العودة! وإذا أخذنا بالاعتبار أنّ المتضرّرين المباشرين من هذا القانون هم أكثر من 5000 عائلة أي عشرات آلاف المواطنين العرب يتضرّرون بشكلٍ مباشر في أهم ما في الحياة وهي الخليّة العائليّة! ألا يذكّركم هذا الإجراء بـ"الهويّات الحمراء" ونضال حزبنا الشيوعي ضدّها! وهل نكتفي بالاعتزاز بهذا التاريخ المجيد ونغنّي "حنّا نقّارة جاب الهويّة.."، أين نحن من هذا التاريخ؟!
وفي سياق متصل، قرأت قبل يومين، بضع لافتات عملاقة الضخامة نصبت في تل – أبيب وقد كتب عليها "لننفصل عن أم الفحم"، ولا نختلف بأن الفكر الاقتلاعي هو في جوهر العقيدة الصهيونيّة، وأي مثال حول فكرة التهجير في هذه العقيدة يقلّل من محوريّتها كونها نهجًا رئيسًا، ويكفي هنا الإشارة إلى القول المتكرّر لبيني إيلون: "إذا كان الترانسفير غير أخلاقي.. فالصهيونيّة غير أخلاقيّة".
ومنذ قيام الدولة كان الهاجس الديمغرافي مستحوذًا على رؤوس قادة الدولة وممارستها، منذ رفض موقف عودة اللاجئين، إلى دعوة بن غوريون للنساء اليهوديات اللواتي وَلدن أكثر من عشرة أولاد وتشجيعهنّ وإعطائهن الهدايا، إلى مجزرة كفر قاسم التي أثبتت بروتوكولات المحكمة أنّ الهدف الأساسي منها كان هروب أهالي المثلّث الجنوبي..
وقرأت مؤخرًا كتاب "توم سغف" بعنوان (1967) حديث الصدور والذي يؤكّد فيه أن مخطّط تغيير الحدود لإخراج عرب المثلّث من الدولة قد وُضع سنة 1966، ولا مجال هنا للتبحّر في منهجيّة هذا الفكر الفاشي الممتد منذ مأسسة الحركة الصهيونيّة 1897 حتى يومنا هذا.
أريد أن أؤكّد هنا الجملة الرائعة للشاعرة فدوى طوقان وهي أن "الطبيعة لا تقبل الفراغ" فإما أن يجتاحنا الفكر الفاشي الاقتلاعي وإما أن يرد عليه شرائح من "اليسار الصهيوني" المتواطئ والذي يخلق الأرضيّة الخصبة لهذا الفكر بتأكيده صبحًا ومساءً على يهوديّة الدولة، وضرورة قيام الدولة الفلسطينيّة لضمان "أغلبيّة يهوديّة" وغيرها.. أو يكون الرد عليه من فئات عربيّة غير مسؤولة قد تخدم مواقفها المتربّصين بجماهيرنا، وإمّا أن نملأ نحن الفراغ ونضع الموقف الصحيح، وهو شكل تعامل الدولة مع جزء من مواطنيها! الذين لا تريد أن تطردهم من وطنهم (بالمفهوم الضيّق) وإنما من المواطنة! وتبعث بذلك رسالة لي أنا العربي الفلسطيني ابن حيفا أو غيرها من الأماكن أنّنا لا نريدك أنت أيضًا ولكن بما أنّك لا تسكن بجانب الحدود فسنضعك الآن "على الرف" حتى يأتي وقتك! هذا علاوة على مجرّد فكرة "التبادل السكّاني" بين السكّان الأصليين وبين لصوص البلاد من المستوطنين.. وهنا أريد أن أؤكد أن مفهوم الطرد من الوطن يشمل أيضًا إبقاءك في وطنك وتغيير الحدود، فالوطن ليس الجغرافية المكانيّة العينيّة وحسب، وإنما أيضا الانتماء الوجداني والحضوري والواعي فلا بد أن لأهل أم الفحم أقوى الأواصر مع أهالي الجليل والأماكن المقدّسة والقرى المهجّرة ونمط الحياة بسياقها المعتاد هنا كأقلية عربيّة فلسطينيّة داخل إسرائيل، فالإنسان ابن سياقه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وبهذا "..لا شيء يعدل الوطن" كما قال شوقي.

إذًا فالمرحلة خطيرة ودقيقة جدًا، ولم أطرق في هذا المقال مخاطر "الخدمة المدنيّة" و"فيسكونسين" التي تثبت فشلها كل يوم! ولا تهريب الأراضي من "المنهال" إلى "الكيرن كييمت" في النقب والجليل بحسب خطة "غديش" الأخيرة وذلك بهدف تهويد المنطقتين، ولم أذكر مخطّط "راشوط لميعوطيم" المطروح اليوم على طاولة رئيس الحكومة، ولا النقاش الدائر حول الدستور الذي يؤكّد يهوديّة الدولة بالمفهوم الفظ وينتقص من الحقوق الحاصلة عليها الأقليّة العربيّة اليوم، ولا أجزاء واسعة من "دوفرات".
ولم أذكر القضيّة الأساس وهي الاحتلال وبناء جدران الكراهيّة.
*  *  *
 صوتُنا في هذه القضايا مميّز ولكن نريده مجلجلا ومقنعًا ومجنّدًا، وإذا كان النقاش في المؤسّسات الحزبيّة والجبهويّة العليا هامّاً جدًا ويجب أن تستنفد فيه كل الإمكانيّات لتقارب وجهات النظر، وهذا ضروري جدًا ولا مندوحة عنه لتطوير العمل، إلا أنّ هذا النقاش يجب أن لا يلهينا عن النضال الجماهيري بشكلٍ عام ولمكافحة الفشستة المستفحلة في هذه الأيّام بشكلٍ خاص، هو ليس فقط واجبنا الوطني عامّة، وإنّما أيضًا دواء حقيقي لكثير من قضايانا الداخليّة، لا كلّها، وقد وصلنا من تجارب شعبنا أنّ " قلّة العمل تعلّم التطريز" وأنّ "العمل مطهّر".
وفي النضال الحقيقي الجماهيري والميداني تدرك الكوادر الحزبيّة والجبهويّة المسؤولة والمجرّبة ما ينفع الناس وما يمكث في الأرض، وهي التي تضع الأمور في نصابها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق