الاثنين، 20 يونيو 2011

نحو الإضراب العام في ذكرى عدوان 2000 الاسرائيلي: أن يشاركنا يهود.. أُفق للنضال والتأثير




رسالة إلى السلطة وإلى المجتمع الإسرائيلي اليهودي: "لا نقبل إلا العيش بكرامة وحقوق في وطننا"\


نحو الإضراب العام في ذكرى عدوان 2000 الاسرائيلي: أن يشاركنا يهود.. أُفق للنضال والتأثير


السبت 26/9/2009

*إن مصلحة حكّام إسرائيل هي أن يكون كل اليهود ضد كل العرب! ومن مصلحة السلطة أن تعزلنا ليسهل عليها الاستفراد بنا وتمرير مخططاتها. ومصلحتنا هي النقيض: أن يكون كل العرب وكل اليهود الديمقراطيين ضد سياسة حكّام إسرائيل. فلا يمكن فهم أو تفهّم رفض البعض (البعض الكثير!) للشراكة والتضامن العربي اليهودي المشترك*



سينجح الإضراب العام بعد نحو أسبوع بإغلاق الحوانيت والمدارس والمؤسسات الرسمية القليلة وحث العمّال والموظفين على عدم الذهاب إلى العمل، وبهذا نكون قد حقّقنا أهدافا هامة لا يجوز التقليل منها، مثل الاحتجاج الجماعي على مجمل السياسة الرسمية من تحريض وإقصاء ونزع شرعية، والتوعية الجماهيرية وتجذير يوم القدس والأقصى 2000 بجُرْحه وسؤاله المفتوحيْن خاصّة لدى الأجيال الشابّة، وإيصال رسالة إلى السلطة وإلى المجتمع الإسرائيلي اليهودي مفادها: "لا نقبل إلا العيش بكرامة وحقوق في وطننا" و "لا تقولوا لم نسمع ولا تقولوا لم نعرف". ويحمِل في طيّاته هزّة بسيطة، ولكن هامّة معنويًا، للاقتصاد الإسرائيلي الذي تستطيع الجماهير العربية أن تؤثّر فيه بنسبة 6 – 8%.
وهذه انجازات هامّة نعمل بكلّ جِدية ومثابرة على تحقيقها، ولكن من واجب هذه الجماهير وقيادتها أن تتساءل: هل هذا أقصى ما نستطيع القيام به، وهل هذه هي أقصى أهدافنا؟
***
لا "نكتشف الدولاب من جديد" إذ نؤكّد أن أحد أهم استراتيجيّاتنا هو العمل على تجنيد يهود ديمقراطيين لنضالنا، هذا ما خلصت إليه كل الحركات التحررية، الوطنية والمدنية في العالم، مثل "المؤتمر الوطني الإفريقي" الذي جعل قائده مانديلا يخاطب رفاقه: "لا شيء يستدعي استهجانكم، لقد تغيّرتْ أفكاري" حين هجر موقف "النضال الأسود فقط" إلى "النضال الأسود- الأبيض المشترك". وهذا هو الأمر الذي حدا بمجموعة مؤثّرة من "أمّة الإسلام" بقيادة مالكوم إكس إلى الالتحاق بنضال "مارتن لوثر كينغ" الذي تميّز بـ"الشراكة بين السود والبيض الديمقراطيين" حتى حصلوا على المساواة المدنية. وهذا هو حال القائد العروبي الكبير جمال عبد الناصر الذي جمع كل معارِض للإمبريالية مهما كانت قوميته أو دينه، فبنى منظومة "دول عدم الانحياز" قائدة سياسة "الحياد الإيجابي" لصالح "الاتحاد السوفييتي"، وكذلك "الدائرة الإفريقية" و"الدائرة الإسلامية" (وغالبيّة أعضائهما من غير العرب) ناهيك عن "الدائرة العربية".
هذا النهج ليس مستحدثًا، بل خطّه الأنبياء والثائرون الأوائل، فحين جلس السيّد المسيح مع العشّارين والخطاة (من أبناء الدين اليهودي) أوضح: "لا يحتاج الأصحّاء إلى طبيب بل المرضى" وهذا هو النبيّ العربي الكريم ينشر رسالة عالمية فيَنضمّ إليه بلال الحبشيّ وصُهَيب الروميّ وسلمان الفارسيّ، ويدعو اليهود إلى "كلمة سواء بيننا وبينكم".
في سياق آخر، ولكنّه مرتبط بأهميّة الرأي العام في المجتمع الذي تمارس دولته الاحتلال أو التمييز، نتساءل: هل خسر أم كسب الجزائريون عندما انضمّت إليهم قوى ديمقراطية فرنسية من أبرزها الفيلسوف الوجودي الكبير جان بول سارتر صاحب الكتاب البارز: "عارُنا في الجزائر"؟. قلتُ إن السياق مختلف لأن "الشراكة" هنا تختلف، والمنطلقات تختلف في نواحٍ عدّة، وإن كان التأثير على الرأي العام الفرنسي هو أحد الاستراتيجيات الأساسية لـ"جبهة التحرير الجزائرية".
ويمكن إسقاط هذه الأسئلة على سؤال عيْنيّ آخر: هل تذهب الأحزاب اليسارية والقومية والإسلامية إلى الكنيست لإقناع بعضها بعضًا، ولإقناع عرب الناصرة وأم الفحم والعرامشة بموقفها، أم لإقناع اليهود، شعبًا وقيادةً؟ للقيام بإقناع شعبنا لسنا بحاجة للكنيست، تكفي "لجنة المتابعة" والمجالس المحلية ولجاننا الشعبية.
***
يجب أن نتعلّم من أخطائنا، فقبل سنة جمعْنا ربع مليون توقيع عربي من أجل إقامة لجنة تحقيق في استشهاد الشباب الـ13 في يوم القدس والأقصى 2000، وهي العريضة الأكبر في تاريخ العرب واليهود في البلاد، ومع ذلك لم تردّ علينا المؤسسة بكلمة واحدة، إيجابية أو سلبية. ومن واجبنا التساؤل: لماذا لم نهتمّ أكثر بأن يوقّع يهود ديمقراطيون، لماذا لم نتوجّه إلى أدباء، صحفيين، محاضري جامعات يهود وغيرهم من أجل التوقيع على عريضة في الصحف المركزية، أن يكتبوا مقالات، يعقدوا ندوات، يضغطوا على الحكومة... لكي يكون الضغط اكبر، وتأثيره أكثر فاعلية؟!
لقد جنّدنا لتلك العريضة 1200 يهودي ديمقراطي ضاعت أسماؤهم وسط ربع مليون توقيع، ولم نعمد الى إبرازهم كما تقتضي مصلحة نضالنا.. يجب أن لا نتوانى في النضال في أجل إماطة اللثام عن وجه الجريمة والمجرمين، وعريضة ربع المليون توقيع تشكّل قاعدة جماهيرية هامّة، على أساسها ننطلق بمثابرة وحكمة أكثر في المعركة الطويلة من أجل الحقيقة والعدالة.
* * *
ثمّة نوعان من الشراكة، فالأولى مبنية على التوافق الفكري والاستراتيجي مع يهود معادين للصهيونية، والثانية عيْنية مع يهود لا يؤيّدون كل مطالبنا (مثل عودة اللاجئين، حقًا وممارسة) ولكنّهم يؤيّدون محاكمة قتلة الضحايا الـ13 على سبيل المثال، فهل نرفض التعاون العيْني معهم؟! أو يكون موقفنا: إمّا موافقتنا على كل شيء وإمّا لا شيء؟! أم علينا التعاون العيْني مع مواصلة الإقناع من أجل شَراكات أكبر وأعمق وأبعد؟!
يجب أن يكون إقناع شرائح من المجتمع الإسرائيلي اليهودي من أبرز استراتيجياتنا النضالية، وما رفضُ بعض القيادات العربية (البعض الكثير!) لمشاركة اليهود، أو لتوقيعهم على عريضة تؤيّد الإضراب وتُنشَر في الصحف العبرية، أو الرفض لأن يتحدّث يهودي ديمقراطي في مسيرة عرابة المركزية، إلا أحد الأخطاء الكبيرة، الأخطاء بحقّ نضالنا وآفاق التأثير قبل كلّ شيء.
هذه القضية لا تقتصر على معركة انتزاع حقوقنا، نحن الفلسطينيين داخل إسرائيل، وإنما، أيضًا، على قضية إنهاء الاحتلال، لأننا 20% من المواطنين ونملك وزنا سياسيا وانتخابيا، وهذا ما يفتقره سوانا من الفلسطينيين، ولأننا نتميّز عن سوانا من الفلسطينيين بالاحتكاك اليومي بالمجتمع الإسرائيلي اليهودي، نعرفه، نعرف لغته، أنماط حياته، تناقضاته الداخلية، السياسة والإعلام والاقتصاد. فلأيّة مصلحة قومية ووطنية نُطالِب أنفسنا بالانعزال وعدم التأثير؟! أو برفض مشاركة يهود ديمقراطيين في نضالاتنا؟!
لا تحتمل هذه المقالة الخوض في نقاش أيديولوجي ورؤيوي حول آفاق المصالحة بين الشعوب، ولا معالجة أمثلة عالمية رائعة مثل أن يقول "العبد" الأسوَد "كونتا كينتي" لابنته "كيزي"، وهو "العبد" الذي غيّروا اسمه ودينه واستعبدوه بعد أن ساقوه من إفريقيا إلى أمريكا مكبلا بالأغلال في الرواية التوثيقية "الجذور"، يقول لها: "اسمعي "كيزي"، سيأتي يوم يصبح فيه أسود رئيسًا لأمريكا وسينتخبه بيضٌ أكثر من سُود". ستراه مجنونًا لا مراء في ذلك. أو أن يقول مقاوِم فرنسي لرفيقه في أنفاق المقاومة تحت الأرض وتحت الاحتلال النازي لـباريس: لن يمضي عشرون عامًا حتى نكون قد بنينا سوقًا أوروبية مشتركة بين ألمانيا وفرنسا. سيقولون عنه مجنونا هو أيضًا. لا داعي للاسترسال في هذه الأبعاد الرؤيوية، واتفق مع أي ملاحظة أو نقد حول السياقات المختلفة للروايات ولكنّي أؤكّد على الجوهر الإنساني للفكرة، وعلى الأقلّ لنتفق على ضرورة النضال المشترك مع كل من يتفق معنا استراتيجيًا أو عيْنيًا.

إن مصلحة حكّام إسرائيل هي أن يكون كل اليهود ضد كل العرب! ومن مصلحة السلطة أن تعزلنا ليسهل عليها الاستفراد بنا وتمرير مخططاتها، ومصلحتنا هي النقيض: أن يكون كل العرب وكل اليهود الديمقراطيين ضد سياسة حكّام إسرائيل. فلا يمكن فهم أو تفهّم رفض البعض (البعض الكثير) للشراكة والتضامن العربي اليهودي المشترك.

إن العريضة التي وقّع عليها مئات محاضري الجامعات والأدباء اليهود، والتي ستُنشر الأسبوع القادم في الصحف العبرية، داعمةً للإضراب ولنضال المواطنين العرب هي مكسب هام لنضالنا.  فلنعزّز هذا النضال المشترك بين العرب واليهود الديمقراطيين الذي يصبّ في المصلحة الحقيقية والعميقة للشعبين، فالمعركة من أجل المساواة هي جوهر المعركة من أجل الديمقراطية كما هما المعركتان ضد الاحتلال ومن أجل العدالة الاجتماعية، فهل هي قضيّة العرب لوحدهم أم هي معركة المجتمع بأسره، فإماّ حياة ديمقراطية وإما لا، فالمعركة ضد الأيديولوجية والممارسة الصهيونية ليست في جوهرها لتحرير العرب وحسب، وإنما لتحرير اليهود أيضًا! وهي الطريق لعيشهم في الشرق بسلام وديمقراطية وانسجام مع الجغرافية والتاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق